ب) مقاومة الاستيطان الصهيوني
وكان طبيعيا نتيجة تبلور الوعي القومي ، من خلال اليقظة الفكرية والثقافية في الوطن العربي ، وبالتالي تشكل الحركة القومية العربية ، التي تناضل من أجل الحرية والاستقلال والوحدة والتطور الاجتماعي ، أن تتصدى القوى السياسية والشعبية للصهيونية ، فكرا وممارسة. وفي الواقع ، وبحدود القدرة الذاتية على القيام بما يلزم لذلك ، واكبت المقاومة العربية الاستيطان الصهيوني منذ بدايته. لكن تلك المقاومة ، ولظروف ذاتية وموضوعية ، لم تستطع الحؤول دون تجسيد المشروع الصهيوني في فلسطين. فعلى الصعيد الموضوعي ، كانت المقاومة العربية تنطلق من قاعدة إمبراطورية متهاوية ـ السلطنة العثمانية ـ بينما الصهيونية تنطلق من قاعدة إمبريالية صاعدة. وإذ كانت الحركة العربية مستنزفة في الصراع داخل معسكرها ، سواء بين التيارات المتعددة فيها ، أو مع النظام العثماني الحاكم ، كانت الحركة الصهيونية ترتب أوضاعها لتكون على أعلى درجات الانسجام مع الإمبريالية الأوروبية. وبينما تمحور صراع الحركة القومية العربية حول التخلص من نير الحكم التركي ، كان النشاط الصهيوني يتركز على دعم الدول الأوروبية للإجهاز على السلطنة العثمانية ، وتقسيم أراضيها ، وتخصيص فلسطين قاعدة للمشروع الصهيوني ، في مواجهة الحركة القومية العربية. ومن سخرية القدر أن تجد الحركة القومية العربية نفسها متحالفة ، من أجل تحقيق أهدافها ، مع الدول الإمبريالية الأوروبية ، التي تشكل «البلد الأم» للصهيونية.
وعلى الصعيد الذاتي ، فإن الموقف السياسي النظري ، المعادي للصهيونية في الجانب العربي ، لم يترجم نفسه في حركة سياسية منظمة وفاعلة. وذلك على العكس من الحركة الصهيونية ، التي راحت بعد مؤتمر بازل (١٨٩٧ م) تصوغ منظمتها بالشكل الذي يحقق أهدافها. ومنذ البداية ، وفي مقابل تمركز النشاط الصهيوني ، وتحديد أهدافه العملية ، وبالتالي حشد مقوماته لإنجاز تلك الأهداف ، ظلت المقاومة العربية مبعثرة ، وتعاني الانفصام بين النظرية والتطبيق. فحالة الوعي التي كانت في طور التشكل ، والتي تمحورت حول القضية الضاغطة ـ العلاقة مع الحكم العثماني ـ مع أنها لم تكن غافلة عن الخطر الصهيوني ، وكذلك الوضع الاجتماعي ـ السياسي للشعب العربي عند انطلاق الصهيونية كحركة سياسية ، تمتلك مشروعا استيطانيا ، لم يكن من شأنهما تأهيل الحركة القومية العربية لبناء التنظيم السياسي ، وبالشكل المطلوب ، القادر على مواجهة الحركة الصهيونية ودحرها. وكان واضحا أن الحركة القومية العربية لم تكن تمتلك برنامجا ـ فكريا أو سياسيا أو عمليا ـ موحّدا في مواجهة