الفصل السادس
الصّراع بشأن فلسطين
أولا : بداية الاستيطان الصهيوني
«الصهيونية» اسم لحركة سياسية انتشرت بين يهود أوروبا في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي ، وتبلورت من فكرة مجردة إلى مشروع عمل استيطاني في فلسطين ، يرمي إلى إقامة كيان سياسي لليهود فيها. واللفظ مشتق من كلمة «تسيون» العبرية ، وهي اسم لجبل يقع جنوبي غربي القدس (جبل صهيون) ، يحج إليه اليهود لاعتقادهم أن الملك داود دفن هناك. وفي التراث الديني اليهودي أن «يهوى» يسكن هناك (مزامير ٩ / ١١) ، إذ يرد القول «رنّموا للرب الساكن في صهيون.» وبمرور الزمن صار الاسم يستعمل مجازا للدلالة على القدس ، واتسع ليشمل «الأرض المقدسة» (فلسطين) كلها ، بل اليهود عامة. وفي العصر الحديث ، طرحه كمصطلح ذي مضمون سياسي الصحافي اليهودي النمساوي الأصل ، ناثان بيرنباوم (١٨٦٣ ـ ١٩٣٧ م) ، ليصف به الحركة السياسية الداعية إلى تهجير يهود العالم إلى فلسطين ، وتوطينهم هناك ، بناء على الدعوى بالحق التاريخي لهم فيها ، وبالتالي الحق في إقامة كيان سياسي يهودي عليها.
وفي المنظور اليهودي للتاريخ ، وبالتالي لعلاقة الله بالكون وشعوبه ، تبرز فكرة «شعب الله المختار» (اليهود) ، الذي اصطفاه الله من بين شعوب الأرض الأخرى ، ليحمل رسالة متميّزة ، وسمات خاصة (عنصرية) ، تفصله عنها. وهذا «الاختيار الإلهي» يضفي على اليهود نفحة من القدسية ليست لغيرهم ، وبناء عليه ، فهم بهذا التخصيص «نور الشعوب» ، يفوقونها كما يتميّزون عنها. وورد في التوراة (سفر التثنية ١٤ / ٢) : «لأنك شعب مقدس للرب إلهك. وقد اختارك الرب لكي تكون له شعبا خاصا فوق جميع الشعوب الذين على وجه الأرض.» وفي المنظور الطوباوي إياه ، يرتبط اختيار «الشعب» باختيار «الأرض» ، إذ إن للشعب المختار أرضه المختارة ، وبالتالي المقدسة. ولأن الجمع بين هذا الشعب والأرض هو إرادة إلهية ، فقد أصبحت «أرض إسرائيل» (فلسطين) هي «أرض الميعاد» ، التي وعد إله إسرائيل إبراهيم بها ، وعاهده أن تكون لنسله من بعده ، كما أنها «أرض الميعاد» التي سيعود