لخطوط المواصلات الحيوية بين أجزاء إمبراطوريتها. فمبكرا طرح الكولونيل جورج غاولر (١٧٩٦ ـ ١٨٦٩ م) توطين اليهود في فلسطين ، التي بحسب أقواله تقع على الطريق بين بريطانيا وأهم المناطق الاستعمارية والتجارية الخارجية لها. وقبل ظهور الصهيونية بين اليهود بفترة طويلة ، طرح وزير خارجية بريطانيا ، اللورد بالمرستون (١٧٨٤ ـ ١٨٦٥ م) ، استخدام اليهود مخلب قط لقمع العرب. ففي رسالة بعث بها إلى سفير بلاده في إستنبول (١١ آب / أغسطس ١٨٤٠ م) ، يقول إنه إذا عاد أفراد الشعب اليهودي إلى فلسطين ، تحت حماية السلطان العثماني ، وبناء على دعوة منه ، فإنهم سيقومون بكبح جماح أية مخططات شريرة قد يدبرها محمد علي ، أو من سيخلفه بالمستقبل. وبذلك ، كان بالمرستون يعبر عن الدور الوظيفي الذي تريده بريطانيا للاستيطان الصهيوني في فلسطين. وقد عبر عن هذا التوجه كثيرون عدا بالمرستون ، وخصوصا من موظفي وزارة المستعمرات والساسة الكبار في وزارة الخارجية.
الهجرة الصهيونية الأولى
في هذه الأجواء الاستعمارية ، الفكرية والسياسية ، وبعد فترة من الدعوات إلى توطين اليهود في فلسطين ، جاءت على العموم من خارج صفوفهم ، وتوخت توظيفهم في خدمة المصالح الإمبريالية ، بدأت تبرز دعوات يهودية فردية إلى اعتناق الصهيونية ، عقيدة وممارسة. وقد تزعم هذه الدعوات بعض المفكرين اليهود العلمانيين والحاخامين الإصلاحيين ، انطلاقا من البحث عن حل للمسألة اليهودية ، التي راحت تتفاقم في المناخات الأوروبية السائدة ، وما تنطوي عليه من تناقضات في مرحلة الانتقال من الرأسمالية إلى الإمبريالية. وقد سبقت هذه الدعوات الصهيونية اليهودية حركة الاستيطان العملي ، حتى في مراحلها الأولى ، إذ لم تكن قد تبلورت كحركة سياسية واضحة المعالم. ففي هذه الفترة بدأ الحاخام يهودا ألقلعي (١٧٩٨ ـ ١٨٧٨ م) ، المولود في ساراييفو ، يدعو إلى إقامة مستعمرات يهودية في فلسطين «من دون انتظار مجيء المسيح.» ووضع ما سمّاه «برنامج الخلاص الذاتي» ، الذي ينطلق من فكرة قيام اليهود أنفسهم بتحقيق العودة الجماعية إلى فلسطين. لكن دعوات ألقلعي لم تحقق نتائج ملموسة ومباشرة.
كما أصدر الحاخام البولوني تسفي هيرش كاليشر (١٧٩٥ ـ ١٨٧٤ م) كتابه «مطلب صهيون» (دريشات تسيون) ، وهو أول كتاب باللغة العبرية في العصر الحديث (١٨٦٢ م). ودعا فيه المحسنين والمتمولين اليهود إلى تقديم المساعدات المادية