المحليين ، أسوة بالمستوطنين الأوروبيين في إفريقيا. وقد حاولت هذه الشركة ، عبر حاييم مرغليت كالفارسكي ، شراء أراض في سهل عكا ، لكن الصفقة فشلت ، وضاعت الأموال التي صرفت عليها. ومع ذلك ، أقامت بيكا مزرعة للتدريب في الشجرة (١٨٩٩ م) ، وعددا من المستعمرات ، وخصوصا في الجليل الأسفل ، في الفترة (١٩٠١ ـ ١٩٠٩ م) ، مثل كفار طابور والشجرة ومنحمية ويبنئيل ومتسبيه وكنيرت ، عملت بزراعة الحبوب. ولكن على الرغم من النجاحات المحدودة ظلت هذه المستعمرات تعاني أزمة بنيوية ، تتلخص في عدم أهلية المستوطنين اليهود للعمل الزراعي ، وبالتالي اعتمادهم الكلي على العمل المأجور. فأصبح هؤلاء الصهيونيون ، الذين قدموا لإنشاء «دولة قومية» ، عبارة عن مقاولين لدى شركة بيكا الاستثمارية ، يقومون بالرقابة على العمال العرب وبيع المحاصيل ، تاركين العمل الجسدي الصعب لأبناء البلد. أمّا أبناء هؤلاء المستوطنين ، فلم يجدوا في الزراعة ما يلبي طموحهم ، وغادروا المستعمرات إلى المدن ، أو هاجروا من البلد إلى الخارج ، بنسبة كبيرة.
ثانيا : الصهيونية السياسية
لما كانت الحركة الصهيونية أوروبية الجذور ، سواء لناحية أسباب نشوء الفكرة ، أو تبلورها ، أو تطبيقها ، فإن مشروعها الاستيطاني ارتبط عضويا بالنشاط الإمبريالي في المنطقة ومراحل تجلياته. وكان طبيعيا لذلك أن يواكب العمل الصهيوني ، شكلا ومضمونا ، سيرورة التغلغل الإمبريالي في المنطقة ، وأنماط تجسيده. وبينما تمحور نشاط الدول الأوروبية في النصف الأول من القرن التاسع عشر على توسيع نفوذها في أراضي السلطنة العثمانية عبر الامتيازات ، التي تغطت ، بين تعبيرات أخرى ، بحماية الأقليات الدينية والطائفية ، فقد بادرت تلك الدول ، بداية فرنسا ، ثم بريطانيا بصورة أكثر إصرارا ، إلى دعوة اليهود إلى الهجرة والاستيطان في فلسطين تحت حمايتها. لكن ردة فعل اليهود العامة كانت متحفظة ، بل معارضة ، لهذه الدعوات. أمّا في النصف الثاني من ذلك القرن ، فقد احتدم التنافس بين دول أوروبا ، ومعه تصاعدت وتيرة العمل الصهيوني ، وصولا إلى نهاية القرن ، إذ راحت المخططات الإمبريالية تتخذ طابعا عمليا ، استعدادا لاقتسام أراضي السلطنة العثمانية ، وتحول معها المشروع الصهيوني إلى برنامج عمل مخطط ، على الصعيدين ، الخارجي الدولي ، والداخلي اليهودي.
وبإلقاء نظرة عامة ، يتضح أن دعوة نابليون إلى توطين اليهود في فلسطين ، لم تحرك لديهم ردة فعل إيجابية ، بقدر ما حركت طروحات مثيلة في أوساط سياسية