بريطانية ، التقطت الفكرة ، وحاولت توظيفها لمصلحة بريطانيا في مواجهة فرنسا. وعادت هذه الفكرة إلى البروز مرة أخرى بعد مؤتمر لندن (١٨٤٠ م) ، وفرض الانسحاب من بلاد الشام على محمد علي. وكان ذلك بالتأكيد كردة فعل على التهديد الذي انطوت عليه الحملة المصرية للمصالح البريطانية. ومع ذلك ، ظلت استجابة يهود أوروبا ـ الشرقية والغربية ـ فاترة جدّا للدعوة التي أطلقها بالمرستون. ومنذ الستينات من القرن التاسع عشر ، ازداد التدخل الأوروبي في شؤون السلطنة ، نتيجة ضعفها المتزايد. وقد جرى التعبير عن ذلك باتساع مجال الامتيازات التي طالبت بها ، وحصلت عليها ، دول أوروبا ، وخصوصا بعد حرب القرم (١٨٥٤ ـ ١٨٥٥ م) ، من جهة ، وباضطرار السلطان العثماني إلى إصدار الفرمانات (التنظيمات) الإدارية والسياسية والاجتماعية ، من جهة أخرى.
في المقابل ، وعلى الصعيد اليهودي ، ازدادت حدة المسألة اليهودية في أوروبا وخصوصا أوروبا الشرقية. وفي الوقت نفسه برزت الحركات القومية بين شعوب أوروبا الشرقية (الصرب واليونان وغيرهم) ، وراح تأثيرها يتغلغل بين اليهود ، الذين اعتقدوا أن لقضيتهم قوة إقناع أعلى من دعوى الشعوب الأخرى المطالبة بالانعتاق القومي. وفي خضم التحولات السياسية والاجتماعية الجارية في أوروبا ، وانعكاسها على التجمعات اليهودية هناك ، راحت الأفكار القومية تتنامى على حساب تراجع طروحات الاندماج كحل لمشكلات تلك التجمعات الاجتماعية. وليس مصادفة أن روّاد «الحل القومي اليهودي» في أوروبا الغربية ، جاؤوا من الأوساط التي كانت تقف فكريا على حدود الاندماج ، مثل موزس هس. أمّا في أوروبا الشرقية ، فقد جاء دعاة الصهيونية من أوساط المثقفين اليهود التقليديين ، الذين تأثروا بالنزعات القومية السلافية ، مثل كاليشر وألقلعي. وفي روسيا ، أخذت هذه الأفكار دفعة قوية من ممارسات الحكومة الروسية القيصرية تجاه اليهود في الثمانينات ، بعد اغتيال القيصر ، وتوجيه التهمة إلى اليهود بالمشاركة الفعالة في الحركات المناهضة للحكم هناك. ومع ذلك ، وحتى نهاية القرن ، وعلى الرغم من حالة التدهور التي أصابت السلطنة العثمانية ، واحتدام التنافس بين دول أوروبا ، إذ راحت كل منها تسعى لتأمين موطىء قدم لها في أراضي السلطنة ، فقد ظلت الصهيونية حركة معزولة ومحصورة في جيوب مبعثرة ، تعارضها الأغلبية من اليهود ، في غرب أوروبا وشرقها. والنشاط الاستيطاني الذي قامت به في فلسطين لم يكن يبشر بالنجاح. وبناء عليه ، ظل تيار الهجرة اليهودية الرئيسي يتجه من شرق أوروبا إلى غربها ، ومنه إلى الولايات المتحدة. وبينما يقدر عدد يهود أوروبا الذين هاجروا إلى الولايات المتحدة وأوروبا