الغربية ، في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر ، وحتى الحرب العالمية الأولى (١٩١٤ ـ ١٩١٨ م) بنحو ٥ ، ٢ مليون ، فإن الذين وصلوا منهم إلى فلسطين لا يزيد عن ٠٠٠ ، ٥٠ فقط ، أي ٢% من مجموعهم. وارتفع هذا العدد عشية الحرب العالمية الأولى إلى ٠٠٠ ، ٨٥ ثم تراجع إلى ٠٠٠ ، ٥٦ سنة ١٩١٨ م.
والمنعطف الكبير في العمل الصهيوني ـ الصهيونية السياسية ـ في مطلع القرن العشرين ، جاء تتويجا لمسار متدرج ، امتد على طول القرن التاسع عشر ، وأخذ يتصاعد بالتوازي مع ازدياد اهتمام الدول الأوروبية بالشرق الأوسط ، وبالتالي تصاعد نبرة الدعوة إلى إقامة كيان يهودي في فلسطين ، عبر الهجرة إليها والاستيطان فيها ، بحماية هذه الدولة الكبرى أو تلك. فبعد حملة نابليون ، ازداد اهتمام بريطانيا بحماية طرق مواصلاتها مع الهند ، ورأت في إقامة استيطان يهودي في فلسطين ، تحت رعايتها ، عنصرا في توفير تلك الحماية. وبعد حملة محمد علي ، كثفت الدول الأوروبية نشاطها للحصول على الامتيازات من السلطنة العثمانية المتهاوية ، وكانت الأقليات الدينية ذريعة لذلك. وبرزت الدعوة إلى توطين اليهود في فلسطين مرة أخرى. ومع تفاقم المسألة الشرقية ، والإعداد لاقتسام أراضي السلطنة ، نشطت الحركة الصهيونية عمليا. وبعد افتتاح قناة السويس (١٨٦٩ م) ، وشراء بريطانيا أسهم مصر فيها (١٨٧٥ م) ، ومن ثمّ احتلال مصر (١٨٨٢ م) ، برزت حيوية فلسطين الاستراتيجية للمصالح البريطانية ، ومعها أهمية الاستيطان الصهيوني كحلقة في شبكة القواعد لحماية الطريق إلى الهند.
وكان الصحافي اليهودي النمساوي تيودور هيرتسل (١٨٦٠ ـ ١٩٠٤ م) ، المعبر الأبرز عن هذا المنعطف في أوضاع اليهود والصهيونية ، على أرضية التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في أوروبا ، وبالتالي علاقتها بالشرق الأوسط. وبناء عليه ، فهو يعتبر مؤسس الحركة الصهيونية السياسية ، كونه نقلها نقلة نوعية ، سواء على صعيد البرنامج النظري ، أو التطبيق العملي له. لقد التقط هيرتسل الخيوط المتعددة لنشوء الصهيونية ، وجمعها في منظمة عالمية ، قابلة للحياة في المناخات السائدة آنذاك في أوروبا ، وعلى المستويين ـ اليهودي الخاص والإمبريالي العام. وإذ أفاد هيرتسل من أفكار سابقيه من دعاة الصهيونية ، فإنه تفوق عليهم ببرنامجه التنظيمي والعملي ، الأكثر ملاءمة للواقع السياسي المحيط بالنشاط الصهيوني ، سواء في بلد المنشأ ـ أوروبا ـ أو في موقع المآل ـ فلسطين. وإذ لم يكن هيرتسل مفكرا بمستوى هس ، أو ضالعا بالتراث اليهودي مثل كاليشر أو ألقلعي ، أو رومانسيا مثل بنسكر ، فإنه بالتأكيد تفوق عليهم جميعا في براغماتيته ، وبالتالي إدراكه ألّا مجال