بذلك. وكان الإنجاز الأكبر الذي حققه هيرتسل هو تأسيس المنظمة الصهيونية العالمية ، بهيئاتها وأطرها التنظيمية والإدارية والمالية. ومن خلال المؤتمرات ، عينت المنظمة الصهيونية العالمية نفسها حكومة لليهود أينما وجدوا ، ومن دون التعبير عن موافقتهم على ذلك. وانطلقت تلك الحكومة تعمل على إقامة «دولة» ، لا يزال ينقصها الشعب ، كما أنها لا تملك الأرض. فقد ظلت أغلبية يهود العالم تعارض الصهيونية ، وظلت الأرض ـ فلسطين ـ بعيدة المنال نتيجة الأوضاع القائمة ، محليا ودوليا. وعلى هذه الأرضية وقعت خلافات حادة داخل المؤتمر الصهيوني ، أدّت إلى انقسامات أيديولوجية وعملية. وعلى العموم ، ظلت الإنجازات الصهيونية على صعيد «نشر الوعي القومي» ، كما طرح في برنامج بازل ، متواضعة جدا.
ب) الصراعات الداخلية
في المؤتمر الصهيوني الثاني (بازل ١٨٩٨ م) ، أثيرت مسألة ردة الفعل السلبية للجماعات اليهودية على المشروع الصهيوني ، واستمرار المهاجرين منها في تفضيل التوجه إلى الولايات المتحدة على فلسطين. وطرح هيرتسل شعار «كسب الجماعات اليهودية» في العالم إلى جانب الصهيونية والاستحواذ على ولائها لمشروعه. وإزاء استنكاف تلك الجماعات عن الصهيونية ، كان على قادة العمل الصهيوني تركيز اهتمامهم على القوى الإمبريالية ، وعبرها «الهجوم على تلك الجماعات من أعلى» ، واستغلال أزماتها لاختراق صفوفها إلى القاعدة. وفي المؤتمر الثالث (بازل ١٨٩٩ م) ، نوقش موضوع تأسيس «جمعية التخاطب بالعبرية ، ونشر الثقافة اليهودية بين يهود العالم». وفي المؤتمر الرابع (لندن ١٩٠٠ م) ، احتدم الخلاف بشأن المسألة الثقافية بين المتدينين والعلمانيين ، الأمر الذي حدا هيرتسل على مناشدة الجميع طرح الخلافات جانبا ، والتركيز على الأهداف المشتركة. وظلت مسألة استنكاف اليهود عن العمل الصهيوني قضية مؤرقة لنشطاء المنظمة الصهيونية ، وخصوصا في بريطانيا ، إذ تمتع المشروع الصهيوني بتعاطف مراكز قوى في الحكومة ، وبوجه خاص في أوساط موظفي وزارة المستعمرات ، الذين أقام هيرتسل معهم صلات وثيقة ـ فكريا وعمليا. وبقي غياب التأييد الشعبي اليهودي للصهيونية مسألة محرجة لقادة العمل الصهيوني الذين نصبوا أنفسهم معبرين عن تطلعات التجمعات اليهودية.
وتميّز المؤتمر الخامس (بازل ١٩٠١ م) باحتدام الخلاف بشأن مسائل متعددة ومنها المسألة الثقافية ، إذ طرح مشروع إنشاء جامعة عبرية. وبرز «تيار ديمقراطي» في الوسط بين العلمانيين والمتدينين ، تزعمه حاييم وايزمن ومارتن بوبر. وجرت المطالبة