بأن «الحق التاريخي» الذي تدعيه الصهيونية لليهود في فلسطين ، لا يكفي لحمل الدول الأوروبية على تبني مشروعهم. ولذلك ، لا بدّ من أن يكتسب صيغة عصرية تقربه من السياسة الأوروبية. وهذه الصيغة في نظرهم تقوم على إخضاع فلسطين للنفوذ الاقتصادي الصهيوني ، وإثبات أن كل تقدم حدث في فلسطين إنما يعود إلى المبادرة الصهيونية. وقد قوي هذا التيار بعد انقلاب تركيا الفتاة ، وما يحمله في ثناياه من إمكانات تعديل السياسة العثمانية إزاء المشروع الصهيوني. وفي المؤتمر العاشر (بازل ١٩١١) ، اضطر ولفسون إلى الاستقالة تحت ضغط العمليين ، وانتخب مكانه المعبر الحقيقي عن التيار العملي ، أوتو واربرغ ، وبانتخابه تسلم العمليون زمام الأمور في المنظمة الصهيونية العالمية.
وفي المؤتمر الحادي عشر (فيينا ١٩١٣ م) ، آخر المؤتمرات الصهيونية قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى ، وبالتالي توقفها عن الانعقاد ، كانت هيمنة العمليين واضحة. وزاد في تلك الهيمنة تحالفهم مع «التوفيقيين» ـ تيار حاييم وايزمن. وفي التقرير السياسي المقدم للمؤتمر يبرز الاهتمام بالتطورات السياسية التي من شأنها التأثير في مستقبل الشرق الأوسط. وقد ورد فيه التأكيد على أن نجاح المشروع الصهيوني لا يتوقف على البراءة الدولية. وبناء عليه ، تتوجه المنظمة الصهيونية إلى تحقيق هدفها في فلسطين عن طريق النشاط العملي. واندلعت الحرب العالمية الأولى والمنظمة الصهيونية تعمل على جبهتين : سياسية ، تسعى للحصول على الاعتراف الدولي بالصهيونية وأهدافها ؛ وعملية ، تنشط في حقل الاستيطان وتهويد فلسطين ـ الأرض والشعب والسوق ـ بكل ما ينطوي عليه ذلك من تغييب لأهل البلد الأصليين ـ ماديا ومعنويا ـ ونفي لحقهم التاريخي في وطنهم.
وكما أثار نشاط العمليين ردات فعل داخل المنظمة الصهيونية ، وأدّى إلى حالة من الاستقطاب فيها ، بما انطوى عليه ذلك من انعكاسات على صعيد العلاقات السياسية مع القوى الأوروبية ، كذلك فعل في فلسطين واستنبول. فالنشاط الصهيوني المكثف في إستنبول لاستغلال التعاطف الحذر الذي أبداه حكام تركيا الجدد مع المشروع الصهيوني ، ودفع الأمور إلى أبعد الحدود ، وبالسرعة القصوى ، نحو حسم القرار التركي بمنح المنظمة الصهيونية الامتياز المطلوب للاستيطان في فلسطين ، أدّى إلى نتائج عكسية. فهؤلاء الحكام الجدد وضعوا على رأس جدول أعمالهم صيانة وحدة الأراضي العثمانية ، وتوحيد شعوبها على قاعدة التتريك ، وأدخلوا نظام حكم دستوري ، يستند إلى برلمان يتمتع بدرجة من التعددية السياسية وحرية التعبير والمناقشة. وتحولت القضية الصهيونية إلى موضوع نقاش حاد في البرلمان ،