في هذا الوقت بالذات ، أصدرت حكومة بريطانيا وعد بلفور ، الذي يتناقض مع تعهدها للشريف حسين بأن تكون فلسطين جزءا من الدولة العربية المزمع إقامتها ، كما يتعارض مع ما قطعته على نفسها إزاء فرنسا وروسيا في اتفاق سايكس ـ بيكو ، بوضع فلسطين تحت إدارة دولية. وحتى قبل استكمال احتلال البلد أقام الإنكليز فيها إدارة عسكرية. وقد أثار نشر وعد بلفور سخط القوميين العرب ، وطفح الكيل عندما نشرت حكومة الثورة الروسية ، برئاسة لينين ، نصّ اتفاقية سايكس ـ بيكو. وارتفعت الأصوات تنادي بقطع التعاون مع الإنكليز ، والبحث عن سبل التفاهم مع العثمانيين. وبينما بدأت الاتصالات مع جمال باشا ، الذي بسبب صلفه لم تؤدّ إلى نتائج ، فقد قامت حكومة بريطانيا بحملة من الأكاذيب والخداع. فأرسلت الخبير بالشؤون العربية ، البروفسور هوغارت ، لتهدئة خواطر الشريف حسين والقيادات العربية. ونفى وزير خارجيتها ، بلفور ، وجود مثل هذه الاتفاقية ، مؤكدا أن ما نشر هو تلفيق من الحكومة الشيوعية الروسية. وعلى أية حال ، فإن ردة الفعل في أوساط المثقفين والسياسيين العرب ، وكذلك في صفوف الجيش العربي ، لم تثن الحسين ، وابنه فيصل ، عن استكمال المسيرة مع بريطانيا حتى نهاية الحرب.
وعلى الرغم من اكتشافها الخداع الذي تمارسه حكومة بريطانيا ، واحتجاجها على المراوغة التي تنتهجها تلك الحكومة في حسم الموقف من مطالبها ، فقد ظلت الحركة القومية العربية ، بوجه عام ، تقف إلى جانب الحلفاء. وفي المرحلة الأخيرة من الحرب ، أدّت القوات العربية دورا مهما في هزيمة الجيش العثماني الرابع الذي كان في وضع يدعو إلى اليأس في بداية سنة ١٩١٨ م. وكان جمال باشا قد عزل من قيادته ، ووضع تحت القيادة الألمانية مباشرة ، ولكن من دون فائدة كبيرة. وبغض النظر عن افتضاح أمر الخداع البريطاني ، ظلت رغبة العرب القوية في التخلص من الحكم العثماني تحفزهم على القيام بانتفاضة ضد الجيش الرابع ، مستفيدين من أوضاعه المتدهورة. ونشطت أعمال الثوار في الحوران وغوطة دمشق وجبال بعلبك. ثم انتقلت إلى حوض الفرات الأعلى والأوسط ، مهددة خطوط المواصلات لذلك الجيش. وهجرت الوحدات العربية والكردية مواقعها ، وانضمت إلى الجيش العربي. وبانقطاع المؤن والعتاد عن هذا الجيش ، وانتشار أعمال المقاومة ضده في جميع أنحاء بلاد الشام ، عمت الفوضى صفوفه ، وهبطت معنويات أفراده ، وأصبح على شفا الانهيار.
ومنذ منتصف سنة ١٩١٨ م ، بدأ الإعداد لاستكمال احتلال بلاد الشام. فتقدم الجيش العربي وأخذ معان ، وراح يعد للتقدم شمالا ، وإشعال الثورة في سورية. لكن