في تجسيد فكرتها القديمة الرامية إلى إنشاء كيان يهودي في فلسطين تحت حمايتها. وجاء وعد بلفور بمثابة البراءة الدولية التي سعى لها هيرتسل ، وعمل من أجلها ، لكنه لم يحصل عليها في حياته ، وإنما تحقق ذلك أيام خلفه حاييم وايزمن. فقد رأى هذا الأخير في الحرب العالمية الأولى الفرصة لتحقيق الهدف الصهيوني ، عبر العمل على محورين ـ بريطاني وأميركي. ومن أجل العمل على الساحة الأميركية ، جند وايزمن قاضي محكمة العدل العليا في الولايات المتحدة ، اليهودي الصهيوني لويس براندايس ، الصديق الحميم للرئيس الأميركي آنذاك ودرو ولسون.
ب) الدور الأميركي في
استصدار وعد بلفور
إزاء فشل الحركة القومية العربية في تحقيق الأهداف التي توختها من دخول الحرب إلى جانب الحلفاء ، تضافرت عوامل عدة لنجاح الحركة الصهيونية في استصدار وعد بلفور ، الذي شكّل حجر الزاوية للمشروع الصهيوني في فلسطين. وكان هذا المشروع يترنح ويقترب من الانهيار في أثناء الحرب ، فجاء وعد بلفور لينفخ فيه الحياة من جديد ، ويزرع الأمل في نفوس قادة العمل الصهيوني بإمكان تحقيق مشروعهم. وفضلا عن النشاط الصهيوني المتاح لتحقيق برنامج بازل ، كان هناك عمل كبير لمصلحة الحلفاء ـ سياسيا وعسكريا وماليا. وقد تم ذلك على أرضية الرغبة البريطانية الدفينة في إقامة كيان يهودي في فلسطين. وجاء الدعم الأميركي للمشروع الصهيوني ، وتأييد الدول الحليفة الأخرى له ، ليحسما الأمر بالنسبة إلى إصدار وعد بلفور. ولعل الدور الذي أدّته الصهيونية في جرّ الولايات المتحدة إلى الحرب ، كان العامل المباشر الأكثر أهمية في استصدار هذا الوعد ، مكافأة لها على جهودها في هذا المجال ، بما قلب موازين القوى في الحرب ، وأدّى إلى حسم نتائجها لمصلحة الحلفاء.
عندما نشبت الحرب العالمية الأولى ، كان مركز العمل الصهيوني في برلين ، وله محطة مهمة في لندن ، ومكاتب فرعية في عدد من الدول الأخرى ، وذلك للوزن الكبير الذي كان ليهود ألمانيا في العمل الصهيوني ، من جهة ، وحجم هؤلاء المادي والمعنوي بين يهود العالم ، من جهة أخرى. وكان طبيعيا أن ينحاز عدد من زعماء الصهيونية إلى جانب ألمانيا بالحرب في البداية ، سواء بسبب عدائهم لروسيا القيصرية ، أو طمعا في نيل تأييد ألمانيا للمشروع الصهيوني ، وما ينجم عن ذلك من تأثير على الحكومة العثمانية في إستنبول. والأكيد أن هؤلاء كانوا مقتنعين بأن