ويحيط بالسور خندق محفور في الصخر ، عرضه ٢ ، ٣ م ، وعمقه ٧٥ ، ٢ م ، ويليه جدار من الحجر سماكته ٣ م ، بقيت منه أجزاء على ارتفاع ٥ أمتار. وفي السور برج حجري دائري الشكل ، قطره عند القاعدة ١٢ م ، وعند القمة ٩ م ، وارتفاعه ١٥ ، ٩ م. وداخل البرج درج يؤدي إلى أعلاه ، فيه ٢٢ درجة ، وطول السور ٧٠٠ م ويحيط بمستوطنة مساحتها تزيد عن ٤٠ دونما.
فضلا عن تلك التحصينات ، كشف عن مبان مركزية ، منها معبد وخزّان ماء ، بقيت جميعا بمثابة أحجية ، إذ سبقت الأهرامات نحو ٤٠٠٠ عام. وعدا ما يفترضه ذلك من معرفة لفن البناء ، ومن مستوى عال من التقنيات ، فإنه يثير الدهشة لما يتطلبه من طاقة بشرية ، وما يستلزمه من وجود سلطة مركزية ، قادرة على حشد هذا الجهد وتوفير حاجاته. ولذلك اعتبرت أريحا أقدم مدينة في التاريخ. وعلى الرغم من كل التنقيبات في المنطقة لم يعثر على مثيل لها حتى الآن ، وظلت أريحا ظاهرة فريدة ، تجاوزت عصرها من ناحية ضخامة أبنيتها ، وعدد سكانها ، ولم تتكرر إلّا بعد مرور آلاف السنوات. ولا شك في أن بناء مثل هذه المدينة استوجب وجود مجتمع متطور بعلاقاته ومؤسساته.
وقد عاصر السويّات الأولى من أريحا موقع وادي فلاح ، على الساحل بالقرب من حيفا. وجريا على عادة المنقبين ، أطلق على مكتشفات هذا الموقع الحضارة الساحلية. ويقول البعض إن الحضارة الساحلية ، أسوة بقريناتها من النيوليت : الخيامية ، نسبة إلى موقع الخيام غرب البحر الميت ، والريحاوية ، نسبة إلى أريحا ، والطاحونية ، نسبة إلى وادي الطاحون في جبال القدس ، هي مرحلة ، أو مراحل ، متطورة عن النطوفية ، ومتكيفة أكثر وفق الأحوال المناخية الجديدة. وهناك من يرى أن النطوفية ، التي كانت واسعة الانتشار ، قد أخلت مكانها لثلاثة أنماط من الاستيطان المنتقل إلى الزراعة : ساحلي ، في وادي فلاح ؛ جبلي ، في وادي الطاحون ؛ وغوري ، في أريحا. وقد أدّت العوامل المحلية دورا في تمايزها بعد نشوئها.
أمّا موقع المريبط ، على نهر الفرات في سورية ، فينتمي إلى هذا العصر ، وإليه ينسب بعض الباحثين الزراعة الأولى في العالم ، والتي يعود تاريخها بحسب الكربون المشع ، إلى سنة ٧٧٠٠ ق. م. وإلى الشمال منه ، اكتشفت آثار الزراعة المعاصرة له في تل الشيخ حسن. وكذلك في تل أسود في محيط دمشق ، الذي يمثل الموقع الأقدم للاستقرار في سورية الجنوبية. ويشير واقع البحث العلمي الحالي إلى أن المواقع السورية كانت السبّاقة إلى صناعة الفخار ، فقد وجدت بداياتها ، لكن على