لاحقا). وتشكلت هذه الكتيبة ونقلت إلى مصر ، ولم تعد إلى فلسطين إلّا بعد انتهاء الحرب. وغداة احتلال بلاد الشام ، كان في قوات الحلفاء نحو ٥٠٠٠ جندي يهودي ، تجمعوا في فلسطين ، على أن يمهدوا الطريق أمام إقامة الدولة اليهودية فيها. ولكن ذلك لم يتحقق ، وتفككت هذه الكتائب وتبعثرت.
وعلى صعيد أعمال التجسس ، وفضلا عن نشاط المنظمة الصهيونية على الساحة الدولية ، فقد تشكلت في فلسطين منظمة سرّية من غلاة التطرف الصهيوني. وكان مؤسسها أهرون أهرونسون ، يعمل مديرا لمحطة التجارب الزراعية في عتليت. وبسبب خبرته الزراعية تقرب من جمال باشا ، الذي عينه رئيسا لهيئة مكافحة الجراد في سورية. ومن موقعه هذا ، تنقل أهرونسون في طول البلاد وعرضها ، وجمع المعلومات عن انتشار القوات التركية وتحصيناتها ، ونقلها إلى القيادة البريطانية. وحملت الشبكة اسم «نيلي» ، وكانت على اتصال ، عبر سارة ، أخت أهرونسون ، مع السفير الأميركي في إستنبول. إلّا إن الأتراك اعتقلوها أخيرا ، وانتحرت في السجن. وقد سافر أهرونسون عدة مرات إلى مصر وإنكلترا ، وحتى إلى الولايات المتحدة ، إذ شجعته الدوائر الاستخبارية على مواصلة العمل مع الاستخبارات البريطانية. وكان من أهداف «نيلي» التمهيد لإنزال بحري على شواطىء فلسطين. لكن الشبكة اكتشفت ، واعتقل بعض أفرادها ، وهرب آخرون ، كما أعدم عدد منهم. وعلى الرغم من تنصل الحركة الصهيونية من أعمال «نيلي» واستنكارها لفترة طويلة ، فقد أعادت حكومة إسرائيل لها اعتبارها (١٩٦٧ م) ، عندما قلد رئيسها وسام الاستحقاق لأخت سارة ، نيابة عنها. أمّا أهرون فقد مات في أوضاع غامضة ، وهو في رحلة جوية بين باريس ولندن ، إذ تحطمت طائرته وسقطت في البحر.
ولكن ، بغض النظر عن النشاط الصهيوني في الحرب ، بأشكاله المتعددة ، وكذلك عن الدوافع الأميركية لدعم المشروع الصهيوني ، فإن وعد بلفور يبرز تلاقي المصالح الإمبريالية البريطانية مع الأهداف الصهيونية. وقد عبر عن هذا التلاقي الوزير في حكومة لندن ، هربرت سامويل ، في مذكرة قدمها لحكومته ، ولبعض أعضاء البرلمان (١٩١٥ م) ، شرح فيها الفوائد التي ستجنيها بريطانيا من تأسيس دولة يهودية في فلسطين ، تحت إشرافها وحمايتها ، بعيدا عن فكرة تدويلها. فمثل هذه الدولة ، في هذه النقطة الاستراتيجية ـ قلب الوطن العربي ـ وعند ملتقى طرق المواصلات بين القارات الثلاث ـ آسيا وأوروبا وإفريقيا ـ تحقق لبريطانيا مصالح حيوية متعددة. فهي تشكل مرتكزا لحماية قناة السويس ـ أهم ممر مائي في العالم ـ وقاعدة للسيطرة على شواطىء البحرين ، المتوسط والأحمر ، وخط دفاع أول عن الاحتلال البريطاني