لمصر ، كما أنها تقطع الطريق على التنافس بين الدول الكبرى بشأن النفوذ فيها بذريعة الأمكنة المقدسة. ولعل الاعتبار الأهم أنها تشطر الوطن العربي إلى شطرين ، وتحول دون توحيدهما ، كما تشكل مركزا إقليميا مناهضا للحركة القومية العربية ، التي تناضل من أجل الاستقلال ، وبالتالي ضد الاستعمار.
إن وعد بلفور ، الذي اعتبرته الصهيونية العالمية بمثابة البراءة الدولية للاستيلاء على فلسطين وتحويلها إلى «وطن قومي» ليهود العالم ، لم يسهم في إيجاد حل لمشكلة الصهيونية في المنطقة ، بقدر ما أسس لصراع طويل وعنيف بشأنها ، لم يصل بعد إلى نهايته (١٩٩٦ م). ولعل هذا بالذات ما أرادته حكومة بريطانيا في حينه. ولا غرو ، فهذا الوعد ، في سياق صدوره ومضمونه ، وما نجم عنه ظل موضع رفض واحتجاج من قبل العرب ، ومحط نقد قانوني من أوساط متعددة في العالم ، وخصوصا أنه ضمّن في وثائق ومعاهدات دولية ، أصبحت مرتكزات لسياسة منظمات دولية رئيسية إزاء المنطقة. والوعد بتسليم فلسطين للحركة الصهيونية هو عطاء من لا يملك لمن لا يستحق ، وبالتالي فهو باطل ، ليس أخلاقيا فحسب ، بل قانونيا أيضا. وهو اقتطاع جزء من الوطن العربي ، وفرزه ليكون قاعدة للعدوان على الأمة العربية ، وتجزئتها واستنزاف طاقاتها ، وليس الاندماج فيها. وهو تغييب للشعب الفلسطيني ـ ماديا وحضاريا وسياسيا ـ وقطع لصلته بوطنه ، ونفي لحقه التاريخي فيه. وهو كذلك تجاهل للأمة العربية وأهدافها المشروعة بالاستقلال والوحدة والتقدم ، وتنكر للعهود التي قطعت لها في الحرب ، بل هو تآمر على استقلالها ووحدتها ومستقبلها. ويندرج هذا الوعد في سلسلة الجرائم البشعة التي اقترفتها الدول الإمبريالية في بلدان العالم التي وقعت تحت سيطرتها ، ولعله من أبشعها على العموم.
رابعا : الانتداب البريطاني
إن إصدار وعد بلفور كان يحتم على حكومة بريطانيا أن تتولى رعاية تجسيده ، ولن يتم ذلك إلّا ببسط سلطتها على فلسطين ، ولعله صدر لهذا الغرض بالذات ، أي التمهيد لوضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني ، وإخراجها من حلبة المنافسة الدولية. فلدى إصدار هذا الوعد ، لم تكن الحركة الصهيونية في وضع يؤهلها لتحمل تبعاته ، إذ خلال الحرب توقفت المؤتمرات الصهيونية عن الانعقاد ، وتعرقلت أعمال اللجنة التنفيذية للمنظمة الصهيونية ، وانقطعت الهجرة اليهودية إلى فلسطين ، بل اجتاحت المستعمرات موجة من النزوح إلى الخارج. وكانت أغلبية يهود العالم لا