الدكتور هوارد بلس (رئيس الجامعة الأميركية في بيروت). وغادرت اللجنة إلى الشرق الأوسط ، وعادت بعد أن انفضّ المؤتمر ، ولم يكترث أحد لتقريرها أو لتوصياتها ، فظلت نسيا منسيا. ولعل أهم عوامل تجاهل توصيات هذه اللجنة كونها تتعارض مع الأهداف الصهيونية ، وكذلك مع المخططات البريطانية والفرنسية ، وتدعو إلى تعزيز الدور الأميركي في ترتيبات ما بعد الحرب في الشرق الأوسط. وبينما أكدت اللجنة رغبة العرب القوية في الاستقلال في بلادهم الموحدة ، ورفضهم الانتداب البريطاني والفرنسي ، وكذلك معارضتهم الشديدة للمشروع الصهيوني ، فقد أشارت إلى إمكان قبولهم بانتداب أميركي. ومع أن أعمال هذه اللجنة لم تحقق فائدة عملية ، فإن تقريرها يبقى مهما لأنه يعبر عن الموقف العربي العام. (١)
ب) ترسيم الحدود
بينما كانت لجنة كنغ ـ كرين تستطلع أراء السكان في بلاد الشام بشأن المستقبل الذي يتطلعون إليه ، كانت فرنسا وبريطانيا تتصارعان بشأن تقسيم المشرق العربي بينهما ، بعد أن وضعتا اليد على المغرب وشمال إفريقيا. ولم يكن أيّ منهما يرغب في الالتزام باتفاقية سايكس ـ بيكو. فبريطانيا أرادت أن تنتزع منطقة الموصل من فرنسا ، كما أرادت إخراج فلسطين من إطار الإدارة الدولية لتضعها تحت انتدابها ، وبالتالي تجسد فيها وعد بلفور ، وكذلك ضمّ شرقي الأردن إلى هذا الانتداب ليكون هناك تواصل برّي بين الأراضي الواقعة تحت حكمها. أمّا فرنسا فأرادت كل سورية ، وليس لبنان فقط. وفي أيلول / سبتمبر ١٩١٩ م ، تقدم لويد جورج بمقترحات تعترف فيها بريطانيا بانتداب فرنسا على سورية ، في مقابل اعتراف فرنسا بانتداب بريطانيا على فلسطين والأردن والعراق. وتضمنت مقترحات لويد جورج سحب القوات البريطانية من سورية ، لتحل محلها قوات فرنسية على الساحل ، وعربية في الداخل ، بحسب الحدود التي تنص عليها اتفاقية سايكس ـ بيكو. وطرح الاتفاق على المجلس الأعلى لمؤتمر باريس ، بعد أن قبلت به فرنسا ، فووفق عليه في ١٥ أيلول / سبتمبر ١٩١٩ م ، من دون الالتفات إلى لجنة كنغ ـ كرين وتوصياتها ، وترك للدولتين ـ فرنسا وبريطانيا ـ رسم الحدود بين مناطق انتدابيهما.
وأخذ ترتيب الحدود بين الانتدابين ـ البريطاني والفرنسي ـ في بلاد الشام فترة
__________________
(٨) راجع : «الموسوعة الفلسطينية» ، القسم الثاني ، المجلد ٢ (بيروت ، ١٩٩٠) ، ص ١٠٠٢ ـ ١٠٠٣.