أو مراعاة مصالحهم وممتلكاتهم على جانبي الخطوط التي وضعت. والحدود مع الأردن ، وضعتها بريطانيا ، بما أملتها عليها التزاماتها في وعد بلفور ، وما نجم عنها لاحقا من مقاومة وصراع ، وبالتالي تسويات مشوهة. وقد أوجد ترسيم الحدود الكثير من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية ، أدّت إلى نشوب أعمال عنف ، الأمر الذي استدعى عقد اتفاقية «حسن جوار» (١٩٢٦ م) ، بين فلسطين وسورية للتخفيف من النتائج السلبية لتلك الخطوط ، وتهدئة الأوضاع الأمنية ، في منطقة لم تفرض السلطة المركزية سيطرتها الكاملة عليها إلّا بعد مرور فترة طويلة على إعلان الانتداب.
ج) مقاومة الانتداب
في سلوكها إزاء العرب ، كانت حكومة لويد جورج تخادع وتحاول التمويه على ازدواجية مواقفها وإخفاء أسرارها. لكن الأخبار راحت تتسرب عن هذا الخداع ، ومن مصادر متعددة. فثار العرب ، وعمدت هي من جانبها إلى النفاق في تبديد مخاوفهم. وبعد الكشف عن وعد بلفور ، سارعت حكومة بريطانيا إلى إبلاغ الشريف حسين تصميمها على ألّا يخضع شعب لآخر في فلسطين ، وأنها لن تفعل ما من شأنه الإجحاف بحق سكانها العرب. وبناء عليه ، طمأن الشريف القادة العرب إلى حسن نوايا بريطانيا ، ودعا المتطوعين العرب إلى الاستمرار في القتال إلى جانبها. وكان هؤلاء المتطوعون قد بدأت تساورهم الشكوك في جدوى التحالف مع دولة تخطط سرّا لتقسيم بلادهم ، والسيطرة عليها بعد الحرب ، واقتطاع جزء منها ليكون «وطنا قوميا يهوديا». وراحت التصريحات تتوالى لإزالة الشكوك العربية ، وخصوصا أن الإعداد للهجوم الأخير على الجيش العثماني في بلاد الشام كان على قدم وساق. وفي ٧ تشرين الثاني / نوفمبر ١٩١٨ م ، أصدرت فرنسا وبريطانيا تصريحا ، جرى توزيعه في البلاد العربية ، يعلن
أن السبب الذي من أجله حاربت فرنسا وإنكلترا في الشرق ... إنما هو لتحرير الشعوب التي رزحت أجيالا طوالا تحت مظالم الترك تحريرا نهائيا تاما وإقامة حكومات وإدارات وطنية تستمد سلطتها من اختيار الأهالي الوطنيين لها اختيارا حرّا. (١)
ومنذ أن تسربت المعلومات عن وعد بلفور ، بدأ الفلسطينيون يعبرون عن رفضهم له ومخاوفهم من نتائجه بصور متعددة. وتشكلت في البلاد لجان إسلامية ـ
__________________
(٩) «القضية الفلسطينية والخطر الصهيوني» ، مصدر سبق ذكره ، ص ٢١٢.