فأكدت في تقريرها أن الاضطرابات كانت نتيجة حالة التوتر التي تسود الجماهير العربية ، جرّاء سياسة تهويد فلسطين التي تتبعها سلطات الاحتلال البريطاني.
وبعد انسحاب القوات البريطانية من سورية الشمالية ، وقبل انتشار القوات الفرنسية في جميع أنحائها (١٩١٩ م) ، قامت مجموعات عربية مسلحة بمهاجمة المستعمرات اليهودية في منطقتي طبرية والجليل الأعلى. وقد تصاعدت هذه الهجمات على المستعمرات الأربع التي أقيمت في الطرف الشمالي من سهل الحولة (إصبع الجليل) ، وهي : المطلة وكفار غلعادي وتل ـ حاي وحمّارة (المحمّرة). وتولى قيادة الدفاع عنها جوزف ترومبلدور. ولكن هذا الدفاع لم يصمد أمام الهجمات العربية المتوالية ، فراحت المستعمرات تسقط ، الواحدة تلو الأخرى. وبداية أخليت حمارة (١ كانون الثاني / يناير ١٩٢٠ م) ، وأحرقت. ثمّ تبعتها المطلة (منتصف كانون الثاني / يناير ١٩٢٠) ، فعاد إليها أصحابها السابقون من السكان المحليين. ووقعت معركة تل ـ حاي الحاسمة في آذار / مارس ١٩٢٠ م ، إذ قتل ترومبلدور ، وهرب بقية المدافعين عن كفار غلعادي (٣ آذار / مارس ١٩٢٠). وقد لجأ هؤلاء إلى الطيبة (جنوب لبنان) ، حيث جمعهم كامل بك الأسعد ، ونقلهم إلى صيدا ، ومنها إلى حيفا. وبذلك ، ولفترة وجيزة جرت تصفية الاستيطان الصهيوني في شمالي سهل الحولة ، لأنه وقع خارج منطقة الحماية البريطانية الفعلية.
لكن هذه المقاومة العربية لم تزحزح بريطانيا عن موقفها من وعد بلفور. وعندما حذرت الإدارة العسكرية في فلسطين من مغبة الإيغال في دعم المشروع الصهيوني ، لما قد يجرّه ذلك من عنف دموي ، عمدت حكومة لندن إلى استبدالها بأخرى مدنية ، برئاسة هربرت سامويل ، كمندوب سام ، وهو المعروف بصهيونيته ، حتى عندما كان عضوا في الحكومة سنة ١٩١٦ م. وفي كتاب التعيين جعلت تلك الحكومة تجسيد وعد بلفور عنصرا أساسيا في مهمات الإدارة الجديدة. وصدرت أحكام بحق موسى كاظم الحسيني ، فنحّي عن رئاسة البلدية ، وحل محله راغب النشاشيبي ، الذي فتح بذلك ثغرة في الصف الفلسطيني. وكذلك حكم بالسجن على كل من الحاج أمين الحسيني وعارف العارف ، ففرّا إلى شرق الأردن ، إذ كان مشايخ القبائل يدعمون النضال الفلسطيني. وحكم بالسجن كذلك على زئيف جابوتنسكي. وعلى الرغم من أصوات الاعتراض البريطانية أيضا ، وحتى اليهودية ، في بريطانيا والولايات المتحدة ، ضد تعيين سامويل مندوبا ساميا ، فقد أصرّت حكومة لندن على ذلك. وكان هذا التعيين بداية مرحلة جديدة في الصراع العربي ـ الصهيوني تحت الانتداب البريطاني.