وخصوصا أن التطمينات اللفظية ، والإيماءات الشكلية ، التي كانت تقدمها إدارة سامويل إلى الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية ، كانت تنفيها الإجراءات والتشريعات التي تتخذها هي ، من جهة ، والنشاطات السياسية والاستيطانية التي تقوم بها الحركة الصهيونية ، بتنسيق مع حكومتي الانتداب ولندن ، من جهة أخرى. فهذه الحركة رأت في الحرب العالمية الأولى فرصتها لتحقيق غاياتها في إقامة دولة يهودية ، تكون «باليهود ومنهم وإليهم» ، وبالتنسيق مع بريطانيا ، وبالاستناد إلى دعم الولايات المتحدة ، فراحت بعد الحرب تغذ الخطى نحو ذلك الهدف. وإلى جانب النشاط الكبير على الصعيد الدولي ، داخل مؤتمر السلام وخارجه ، فقد سارعت إلى لملمة أوضاعها التنظيمية ، وتشكيل المؤسسات والهيئات التي من خلالها يمكن تهيئة الوضع الصهيوني الذاتي لأداء المهمات المطلوبة منه. وإذ تبلورت الحركة الصهيونية ، شكلا ومضمونا ، في أعوام الانتداب الأولى ، إلّا إنه كان عليها أن تنتظر حربا عالمية ثانية لتصل إلى إقامة دولتها اليهودية ـ إسرائيل.
تشكيل المؤسسات الاستيطانية
منذ مؤتمر فيينا (١٩١٣ م) لم تعقد المنظمة الصهيونية العالمية مؤتمرها الدوري بسبب الحرب. وفي هذه الأعوام ، فرضت قيادة الأمر الواقع نفسها على العمل الصهيوني ، فبرز حاييم وايزمن في بريطانيا ، ولويس براندايس في الولايات المتحدة ، وناحوم سوكولوف في فرنسا. وإزاء المهمات الجديدة في مرحلة ما بعد الحرب ، من جهة ، والطعن في شرعية قيادة العمل الصهيوني ، وبروز أصوات يهودية وبريطانية تعارض وعد بلفور والانتداب ، بينما المشروع الصهيوني مطروح في مؤتمر السلام ، من جهة أخرى ، رأت تلك القيادة ضرورة إضفاء الشرعية على موقعها وعملها. وبعد مؤتمر سان ريمو ، أصدرت دعوة إلى عقد مؤتمر استثنائي موسع ، واختارت لندن مكانا له ، تقديرا لحكومة بريطانيا على دعمها للمشروع الصهيوني ، وجهودها في تأمين الانتداب على فلسطين. كما أرادت المنظمة الصهيونية أن يكون انعقاد المؤتمر مناسبة لحملة إعلامية في أوساط الرأي العام البريطاني ، تقوي موقف المؤيدين للصهيونية ضد معارضيها ، في المؤسسة البريطانية الحاكمة وخارجها.
وانعقد مؤتمر لندن في مطلع تموز / يوليو ١٩٢٠ م ، وكان من أهم المؤتمرات الصهيونية على الإطلاق. وحضرته وفود كثيرة ، بينها وفد كبير من الولايات المتحدة ، على رأسه لويس براندايس ، يرافقه صهره ، فيلكس فرانكفورتر ، والحاخام وايز وغيرهما. وترأس براندايس جلسة الافتتاح ، وألقى خطابا أجمل فيه منجزات النشاط