فلسطين ، عبر حلقة أخرى من المناورات والتطمينات المخادعة ، ولسحب البساط من تحت أقدام المعارضة المتصاعدة في البرلمان البريطاني للانتداب القائم على وعد بلفور. وإذ حاول البيان ، عبر صيغ لفظية تحتمل التأويل ، إضفاء طابع من الاعتدال على السياسة البريطانية في فلسطين ، إلّا إنه أكد على المواقف الأساسية في وعد بلفور. وبذلك لم يحقق أهدافه المتوخاة لدى الفلسطينيين ، إذ جاء مخيّبا لآمالهم ، وبالتالي حافزا لهم على متابعة النضال ضده. وقبلت به المنظمة الصهيونية تكتيكيا ، فأصبح الأرضية للصراع الدائر بشأن فلسطين ، بين الحركة الوطنية الفلسطينية ، من جهة ، وحكومة الانتداب والوكالة اليهودية ، من جهة أخرى.
ومع أن تقريري لجنتي بالين وهايكرافت حمّلا النشاط الصهيوني مسؤولية أعمال العنف التي انفجرت في فلسطين ، فإن الكتاب الأبيض أرجع أسباب التوتر إلى تفسيرات مبالغ فيها لمعنى «الوطن القومي اليهودي» ، من قبل العرب واليهود على حد سواء. ومن أهم النقاط التي أكد عليها الكتاب الأبيض ما يلي : ١) أن وعد بلفور لا يعني تحويل فلسطين بأكملها إلى «وطن قومي يهودي» ، وإنما يعني «أن وطنا كهذا سيؤسس في فلسطين» ؛ ٢) التزام بريطانيا بوعد بلفور الذي أصبح «غير قابل للتعديل» بعد المصادقة عليه من قبل الدول الكبرى في مؤتمر سان ريمو ومعاهدة سيفر ؛ ٣) أن «الوطن القومي اليهودي» لا يعني دولة يهودية ، وهو سيقوم بالتدريج ؛ ٤) الوجود اليهودي في فلسطين «حقّ وليس منة» ، و «الوطن القومي اليهودي يستند إلى صلة تاريخية قديمة» ؛ ٥) ضرورة استمرار الهجرة اليهودية إلى فلسطين ، مع مراعاة قدرة البلاد الاقتصادية على استيعابها ؛ ٦) أن «اللجنة الصهيونية» (الوكالة اليهودية) لا تملك أي قسط في إدارة البلاد العامة ، والمركز الخاص الذي تشغله بموجب المادة الرابعة من صك الانتداب لا يخولها صلاحية تولي هذه المهمة ؛ ٧) تشكيل مجلس تشريعي ، كخطوة على طريق الحكم الذاتي ، الذي يتم بالتدريج ، ولا يتعارض مع سياسة الانتداب ؛ ٨) استثناء فلسطين من التعهدات التي التزمت بها بريطانيا في مراسلات مكماهون ـ الحسين ، بسبب التزامها بوعد بلفور. (١)
ب) صك الانتداب
بعد أن حسمت حكومة لندن مسألة الانتداب داخليا ، وصار الكتاب الأبيض هو الأساس لسياستها المعتمدة في فلسطين ، توجهت إلى عصبة الأمم لإقرار صك
__________________
(٣٠) «الموسوعة الفلسطينية» ، القسم الثاني ، المجلد الثاني ، مصدر سبق ذكره ، ص ١٠١١ ـ ١٠١٢.