في المقابل ، فهذه التطورات زادت في الفوارق الطبقية بين السكان العرب ، إذ أصبح الأثرياء أكثر ثراء ، والفقراء فقرا. وفي هذه الأوضاع نما وعي شعبي نضالي ، يتسم بدرجة عالية من العفوية والتلقائية ، جرى التعبير عنه باستعداد قطاعات واسعة من جماهير الشعب الفلسطيني ، ومعها شريحة من المثقفين ، للعمل خارج حسابات القيادات التقليدية ، بل ضد إرادتها.
أ) ثورة القسام
في هذه الأجواء المشحونة بتفاقم التناقض بين الاستيطان والانتداب ، من جهة ، والحركة الوطنية الفلسطينية ، من جهة أخرى ، وتعمق أزمة العمل السياسي الفلسطيني واختلال أوجه نشاطه ، نشبت ثورة الشيخ عز الدين القسام ، مدشنة مرحلة جديدة من النضال الوطني الفلسطيني. فعلى خلفية الإحباط الذي أصاب الحركة الوطنية ، من نهج قيادتها التقليدية ـ المفاوضات والتمرد السلبي والتظاهر والاحتجاج .. إلخ ـ أسس الشيخ القسام حركته على الكفاح المسلح ، سبيلا لمقاومة الاستعمار والصهيونية. وباتباعه أسلوب الهجوم المسلح التكتيكي ، من موقع الدفاع الاستراتيجي ، دشّن القسام الكفاح المسلح في الحركة الوطنية الفلسطينية ، مجسدا بذلك عروبة النضال ضد الصهيونية والاستعمار ، كونه من أبناء شمال سورية. وكان طبيعيا في الأوضاع القائمة آنذاك ، أن يعتمد القسام أسلوب التنظيم السرّي الخلوي ، وأن يحيط عمله بستار كثيف من الكتمان ، ويختار الأعضاء بدرجة عالية من الحذر. ومع ذلك ، وفي غياب الشروط اللازمة لنجاح الكفاح المسلح ، ذاتيا وموضوعيا ، وتحت ضغط التطورات ، عمد الشيخ إلى البدء بعمله المسلح ، كوسيلة لاستنهاض الجماهير ، فأصيبت حركته بنكسة في مستهل نشاطه ، واستشهد هو نفسه ، وتبعثرت مجموعاته ، لتعود وتظهر في «الثورة العربية الكبرى» (١٩٣٦ م).
ولد القسام سنة ١٨٧١ م في مدينة جبلة السورية ، ودرس في الأزهر ، حيث تلقى العلم عن الإمام الشيخ محمد عبده ، واشتغل بعد تخرجه بالتدريس في بلده. وبعد الانتداب الفرنسي على سورية ، انضم إلى عصبة عمر البيطار للجهاد ضد المستعمرين. ثم شارك في ثورة الشيخ صالح العلي (١٩٢٠ ـ ١٩٢١ م) ضد الفرنسيين. وبعد انتهاء الثورة ، لجأ إلى حيفا (٥ شباط / فبراير ١٩٢٢ م) ، هربا من السلطات الفرنسية التي أصدرت حكم الإعدام بحقه. وفي حيفا ، اشتغل بالتدريس في جامع النصر والمدرسة الإسلامية ، التي كانت معقلا للحركة الوطنية الفلسطينية. ثم عينه المجلس الإسلامي الأعلى خطيبا لجامع الاستقلال في حيفا ، ومأذونا شرعيا