إن معلوماتنا عن السومريين لا تعرفنا بأصلهم. ولغتهم ، بالقدر المعروف عنها ، لا تمت بصلة إلى أية لغة أخرى معروفة. ويستشف من أساطيرهم أنهم جاؤوا العراق من الخليج العربي (دلمون ـ البحرين). وحتى الاسم سومر ، الذي أطلق عليهم هو ترجمة أكادية (سامية ـ شرقية) للكلمة السومرية ساج ـ جيجا (Sag ـ giga) ، والتي تعني سود الرؤوس. ولعلهم وصلوا إلى العراق وهم يعرفون زراعة الريّ ، مع أن ديانتهم ، وكذلك تعبيراتهم الفنية ، تركز على عالم الحيوان ، الأمر الذي يشير إلى أصول كانت تعمل بالرعي. ولكن الحضارة السومرية ، كما تتكشف من خلال الحفريات ، هي حضارة مدن لا لبس فيها.
ويتضح من دراسة الوثائق المكتشفة أنه منذ بداية التاريخ المسجل ، عاشت في بلاد الرافدين شعوب متعددة ومختلطة. ولا شك أن ابتكار زراعة الريّ شكل عامل جذب إلى هذه الرقعة من الأرض ، فجاءها المستوطنون من جهات متعددة للإفادة من خيراتها. والوثائق الأولى المعروفة ، المكتوبة بلغة سومرية ، والتي جاءت من مدن متطورة في أقصى الجنوب ، تظهر أن السومريين كانوا يعيشون جنبا إلى جنب مع شعوب أخرى سامية ـ أبرزها الأكّاديون. وإذا كان السومريون هم الأكثرية في الجنوب ، فإن نسبتهم تقل كلما توجهنا شمالا ، لتصبح الأكثرية هناك من الساميين. وعلى الرغم من الاختلاط الواسع ، وصعوبة التمييز بين عناصر هذه الحضارة ، فقد جرت العادة على تسميتها الحضارة السومرية.
والتطور اللاحق لقيام مدن ـ الدولة السومرية في جنوب العراق ، تميّز بعدم الاستقرار السياسي ، وأساسا بسبب تضاريس المنطقة الجغرافية. فهي تتميز بغياب الحواجز الطبيعية ، أكان ذلك في وجه الغزاة من الخارج أم كعقبات في طريق الحملات العسكرية المنطلقة من الداخل. وبتفاعل جدلي متدرج ، تحولت مدن ـ الدولة إلى دولة ـ المدن ، وبمسار حتمي تقريبا نحو الدولة المركزية ، ومنها إلى الإمبراطورية. فلأسباب دفاعية ، صدّ الغزاة قبل دخولهم تخوم الدولة ، أو لأخرى هجومية ، بحافز التوسع والسيطرة على الموارد والهيمنة على السكان ، توجهت أنظار الدولة المركزية إلى الخارج. وبوجود سلطة مركزية ، ملكية استبدادية وراثية ، تستند في قوتها إلى آلة عسكرية نظامية ، أصبح قرار التوسع أكثر يسرا.
وفي المسار نحو تشكل الإمبراطوريات ، وبالتالي التوجه نحو التوسع والهيمنة عبر الحملات العسكرية ، سبق وادي الرافدين قرينه وادي النيل ، علما بأن الوادي نفسه أدّى دورا مركزيا في وحدة كل منهما ، بغض النظر عن الأسباب والحوافز والأساليب التي أدّت إلى تلك الوحدة. فالصراع بشأن الموارد في جنوب العراق ، فرض على