السابق في العمل. وقد تشجعت هذه اللجان من النتائج التي حققتها الحركة الوطنية في كل من مصر وسورية ، عبر التصعيد في النضال ضد الاستعمار. كما قدرت أن حالة التوتر الدولي ، التي عقبت احتلال إيطاليا للحبشة ، قد تنتهي إلى حرب ، تفتح المجال أمام العرب لتحقيق الاستقلال الذي فاتهم في الحرب الأولى. وقد عمل تضافر الأحداث على خدمة أهداف اللجان القومية ، فتفجرت الثورة ، واضطرت القيادات التقليدية إلى السير في ركابها.
ب) الإضراب العام
في هذه الأجواء المشحونة بالتوتر ، حدثت الشرارة التي أشعلت الثورة. فقد قتلت مجموعة مسلحة بالقرب من عنبتا ، بين طولكرم ونابلس ، يهوديين ، وجرحت ثالثا ، كانوا في طريقهم إلى تل أبيب (١٥ نيسان / أبريل ١٩٣٦ م) ، وكان قد قتل يهودي آخر بالقرب من قلقيلية قبل خمسة أسابيع. وفي اليوم التالي (١٦ نيسان / أبريل) قتل عربيان على أيدي عصابة الهاغاناه ، في بيارة بالقرب من يافا. واشتد التوتر في منطقة يافا ـ تل أبيب ، التي كانت تسودها حالة من الاحتقان ، فوقعت صدامات عنيفة بين العرب واليهود ، وخصوصا في الأحياء المختلطة على الحدود بين المدينتين. وأحرقت عشرات البيوت والحوانيت ، وقتل ١٦ يهوديا ، وجرح نحو ٥٠ ، كما قتلت قوات الأمن الحكومية ٤ من العرب ، وأصابت نحو ٥٠ بجروح. وبعد ثلاثة أيام من الصدامات ، سيطرت قوات الأمن على الوضع ، وفرضت منع التجول على المدينتين وجوارهما ، وأعلنت حالة الطوارىء في جميع أنحاء البلاد. وفي ١٩ نيسان / أبريل ١٩٣٦ م ، تشكلت في نابلس لجنة قومية ، من عبد اللطيف صلاح وفريد العنبتاوي وأحمد الشكعة وواصف كمال وحكمت المصري وأكرم زعيتر (سكرتير اللجنة). ودعت اللجنة إلى الإضراب العام في جميع مدن فلسطين ، وإلى تشكيل لجان قومية تتولى إدارة الحركة الوطنية في مناطقها وتأمين استمرار الإضراب. وسرعان ما تشكلت لجان قومية في مدن فلسطين الأخرى ، وعمّ الإضراب البلاد. وبدا أن اللجان همّشت دور الأحزاب. وخشية إفلات زمام الأمور ، اجتمع المندوب السامي بعدد من الزعماء (٢١ نيسان / أبريل ١٩٣٦ م) وطلب منهم استخدام نفوذهم «لمنع الفوضى وإعادة النظام» ، كما دعاهم إلى الإسراع في تشكيل وفدهم للسفر إلى لندن لمقابلة وزير المستعمرات في بداية أيار / مايو ، فطالبوه من جانبهم بإيقاف الهجرة اليهودية فورا ، تمهيدا لبدء المفاوضات. وإزاء هذا الإجماع الشعبي ، التقى زعماء الأحزاب ، وتخلوا عن صراعاتهم ، وأيّدوا الإضراب ، بل تبنوه ، وقرروا