بقيادة وايزمن ظاهرا ، وبن ـ غوريون فعلا ، كانت مع استغلال الفرصة المتاحة لإقامة دولة يهودية ، ولو على جزء من فلسطين ، باعتبارها إنجازا سياسيا ، تفوق مزاياه عيوبه. وبرّر هذان موقفهما بكون البديل أسوأ ، وجادلا أنه مع تطور الحركة الوطنية العربية ، لم يعد العمل الصهيوني ممكنا من دون دولة يهودية ذات سيادة. لكنهما أكدا أن هذا القبول ليس شريعة للأجيال ، بمعنى قبوله المرحلي فقط. وادّعيا أن الوضع السياسي لملايين اليهود في «المنفى» ، يتطلب إقامة دولة يهودية فورا. أمّا المعارضون ، مناحم أوسشكين وبيرل كاتسنلسون ويتسحاق طبنكين ، فقد رأوا في هكذا دولة في حدود مقلصة ، أن المشروع الصهيوني قد تقزم ليصبح «غيتو» يهوديا جديدا ، ونفوا أهمية قيام دولة يهودية في الحدود المقترحة ، وبالشروط المطروحة.
ومن داخل المنظمة ، عارضت حركة هشومير هتسعير مشروع التقسيم ، وطالبت بفتح فلسطين كلها أمام الاستيطان ، من منطلق أن العرب سيقبلون به في إطار «دولة ثنائية القومية». واتفقت مع هذا الطرح حركة بريت شالوم ، وأوساط قريبة منهما في الخارج. ولم يتحمس نشطاء الوكالة اليهودية الموسعة في الولايات المتحدة للمشروع ، كونه ليس بديلا أفضل من الانتداب. ومن خارج المنظمة ، عارضه التنقيحيون ، ورأوا فيه مزيدا من التقليص للوطن القومي ، بعد سلخ الأردن عنه. وأخيرا ، جرى العمل على إزالة هذه الخلافات في المؤتمر العشرين (١٩٣٧ م) ، باتخاذ قرار مبهم بشأنه ، يتيح للقيادة الصهيونية المناورة بما تمليه التطورات. وشجب المؤتمر تقرير لجنة بيل القائل إن سياسة الانتداب غير قابلة للتطبيق ، وحمّل مسؤولية تعثرها للحكومة البريطانية. ورفض مشروع التقسيم كما طرح ، على أساس أنه يقلّص حقوق اليهود في الفترة الانتقالية. ومع ذلك ، كلف المؤتمر الوكالة اليهودية باستكمال التفاوض مع الحكومة البريطانية ، بهدف توسيع حدود الدولة اليهودية المقترحة. وتظاهرت القيادة الصهيونية بقبول المشروع مبدئيا ، والاعتراض على تفصيلاته ، لتحميل العرب مسؤولية إفشاله ، وهكذا حدث.
د) استئناف الثورة
لم تجد الحركة الوطنية الفلسطينية في مشروع التقسيم ما يلبي مطالبها المعلنة ـ وقف الهجرة ومنع بيع الأراضي ، وإقامة حكومة تمثيلية. بل على العكس ، ينطوي المشروع على تقسيم البلد ، وإقامة دولة يهودية على شاطىء البحر ، مفتوحة أمام الهجرة الواسعة ، وتوجه واضح إلى إلحاق الجزء العربي منها بشرق الأردن ، وتنصيب الأمير عبد الله حاكما عليهما. وكانت ردة الفعل برفضه تلقائية ، ما عدا حزب الدفاع ،