تتوقف على المعايير التي يعتمدها أصحاب هذه التقويمات. ومهما يكن الأمر ، تجدر الإشارة إلى ما يلي : ١) صحيح أن الثورة لم تحقق أهدافها المعلنة ، لكنها في الوقت نفسه حالت دون تحقيق المشروع الصهيوني لأغراضه المطلوبة في حينه. لم ينل العرب استقلالهم جرّاء الثورة ، لكن الثورة منعت قيام الدولة اليهودية ، كما كانت المنظمة الصهيونية تطالب ؛ ٢) لم تنشب الثورة الفلسطينية نتيجة تبلور أوضاع الشعب الفلسطيني تحت الانتداب ، لكن هذا الأخير رفع حدة التناقض مع الشعب الفلسطيني إلى الدرجة التي جعلته يهب في ثورة تلقائية ، سادتها العفوية بطبيعة الحال ؛ ٣) على أية حال ، وبغض النظر عن الثغرات التي اعتورت إدارة الصراع ، فلا بدّ من الأخذ في الاعتبار موازين القوى على الجانبين ، وكذلك اصطفاف القوى المنخرطة في الصراع وتحالفاتها. فالثورة ، التي انطلقت من موقع الدفاع ، لم تتمتع في أية مرحلة بالدعم الذي تمتعت به المنظمة الصهيونية ، ناهيك عن أن الصدام كان فعلا مع بريطانيا أصلا.
ثامنا : حرب فلسطين الأولى
مع نشوب الحرب العالمية الثانية ، بأبعادها الكونية ، تراجعت أهمية القضية الفلسطينية ، بأبعادها الإقليمية. وفي اصطفاف القوى في أثناء الحرب ، كان الوطن العربي في معسكر الحلفاء بصورة عامة. وبعد الثورة الفلسطينية ومؤتمر لندن والكتاب الأبيض (١٩٣٩ م) ، أصبح الصراع بشأن فلسطين قضية عربية مرة أخرى. وفي الحرب ، احتلت المنطقة العربية موقعا مهما في استراتيجية الحلفاء ، ليس بسبب مشاركة العرب العسكرية في الحرب ، كما كان الحال في الحرب العالمية الأولى ، وإنما بسبب موقعها الاستراتيجي ، وحيوية مواردها الطبيعية ، وخصوصا النفط. وإزاء التطورات بالمواجهة العسكرية ، عادت بريطانيا لتمارس مناوراتها المعهودة من الحرب الأولى ، بهدف كسب العرب إلى جانبها. وكانت أداتها هذه المرة الكتاب الأبيض الذي راحت تسوقه كخطوة على طريق الاستقلال ، ولكن بعد انتهاء الحرب. وعلى العموم ، لم يشكّل العرب عبئا على المجهود الحربي البريطاني ، بل على العكس ، كانوا ذخرا له. فالتداخلات العربية بعد مؤتمر لندن ، وأعمال القمع التي مارستها السلطات العسكرية البريطانية في فلسطين لإنهاء الثورة ، والإرهاق الذي أصاب الثورة والسكان ، أدّت جميعها إلى استكانة العرب في فلسطين في أثناء الحرب.
وكان واضحا أن تراجع حكومة بريطانيا عشية اندلاع الحرب الثانية ، مع أن