أ) المشروع الصهيوني
في الحاضنة الأميركية
لقد أصدرت الحكومة البريطانية الكتاب الأبيض (١٩٣٩ م) بغض النظر عن رأي العرب واليهود فيه ، على حد قولها. ولكن بعد إقراره في مجلسي العموم واللوردات ، وأصبح ملزما لها سياسيا ، تخلت تلك الحكومة عن متابعة تنفيذ بنوده بجدية ، في ضوء اندلاع الحرب العالمية الثانية. وتحديا للسياسة البريطانية ، التي حاولت وضع بعض القيود على الهجرة اليهودية ، عمدت المنظمة الصهيونية إلى تنشيط الهجرة غير الشرعية ، على الرغم من أنها لم تستنفد التصاريح المحددة لها قانونيا. فتصدت السلطات البريطانية للبواخر التي تنقل المهاجرين ، واحتجزتها بهدف ترحيل من على ظهرها إلى أماكن خارج فلسطين. فقام الموساد بإغراق سفينة قبالة شاطىء حيفا بمن عليها ، احتجاجا على السياسة البريطانية ، وإثارة للرأي العام العالمي ضدها. وأغرقت كذلك سفينة أخرى في البحر الأسود ، بعد أن أعادتها السلطات التركية من ميناء إستنبول. وقد واكبت هذه الإجراءات البريطانية حملة من الأعمال الإرهابية ضد مراكز الحكومة في فلسطين ، قامت بها عصابة شتيرن ، التي قتل رئيسها في مطلع سنة ١٩٤٢ م.
وكان تشرشل ، بعد توليه رئاسة الحكومة (أيار / مايو ١٩٤٠ م) ، اقترح إلغاء الكتاب الأبيض ، فرفضت حكومته الائتلافية ذلك ، ولم يتراجع هو عن اقتراحه. ومع ذلك ، وافقت تلك الحكومة على تشكيل لواء يهودي بصورة نهائية ، ووصل عدد أفراده إلى ٠٠٠ ، ١٦ في سنة ١٩٤١ م. لكن ذلك لم يرض التطلعات الصهيونية ، فاتخذت قرارا ببناء «الجيش اليهودي» في مؤتمر بلتمور ، الذي تمتعت قراراته بتأييد الإدارة الأميركية. وقد جاء في القرار : «يجب الاعتراف بحق اليهود في أداء قسطهم الكامل للمجهود الحربي وفي الدفاع عن بلادهم بواسطة قوة عسكرية يهودية تقاتل تحت رايتها الخاصة وبأمر القيادة العليا للأمم المتحدة وذلك من خلال الكفاح ضد قوى العدوان والطغيان التي أصبحت الآن تهدد الوطن القومي اليهودي ، والتي كان اليهود في طليعة ضحاياها.» (١)
وفي النصف الثاني من سنة ١٩٤٢ م ، وبينما القوات الألمانية العاملة في شمال إفريقيا تتقدم نحو الحدود المصرية وتهدد الشرق الأوسط بمجمله ، قررت القيادة
__________________
(٥٧) «القضية الفلسطينية والخطر الصهيوني» ، مصدر سبق ذكره ، ص ٩٢.