ه) دخول الجيوش العربية المعركة
في بيانها المطول بتاريخ ١٤ أيار / مايو ١٩٤٨ م ، سوغت الدول العربية دخولها المعركة في فلسطين كالتالي : «الآن وقد انتهى الانتداب البريطاني على فلسطين من دون أن تنشأ فيها سلطة دستورية شرعية تكفل صون الأمن واحترام القانون وتؤمن السكان على أرواحهم وأموالهم ... رأت حكومات الدول العربية نفسها مضطرة إلى التدخل في فلسطين لمجرد مساعدة سكانها على إعادة السلم والأمن وحكم العدل والقانون إلى بلادهم وحقنا للدماء.» (١) وأكد البيان حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره ، الأمر الذي حرم منه. وعرض مراحل الصراع بشأن فلسطين ، والعدوان الصهيوني على العرب ، وما نجم عنه من مجازر واحتلال للقرى والمدن وتشريد للسكان. وأشار إلى التهديد الذي يتعرض له أمن الدول العربية ، جرّاء قيام الكيان الصهيوني بصورة غير شرعية ، وتقصير الدول الكبرى والأمم المتحدة في إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية. وأكدت الدول العربية اعترافها بحق الشعب الفلسطيني في الاستقلال ، ورأيها «أن الحل الوحيد العادل لقضية فلسطين هو إنشاء دولة فلسطينية موحدة وفق المبادىء الديمقراطية يتمتع سكانها بالمساواة التامة أمام القانون ، وتكفل للأقليات فيها جميع الضمانات المقررة في البلاد الديمقراطية الدستورية وتصان الأماكن المقدسة وتكفل حرية الوصول إليها.» (٢)
وكان دخول جيوش خمس دول عربية إلى فلسطين في آن معا ، بغض النظر عن تأهبها ، المنعطف الأخطر على الهاغاناه في حرب ١٩٤٨. فمع أن ميزان القوى العسكري ظل مائلا إلى جانب القوات الصهيونية ، وكذلك أفضلية تموضعها الاستراتيجي من حيث الانتشار ، إلّا إن مواجهة خمسة جيوش في الوقت نفسه ، وضعت الهاغاناه في حالة الدفاع. وقررت قيادتها امتصاص الاندفاعة العربية الأولى ، وتثبيت الخطوط ، ثم التحوّل إلى الهجوم ، ضمن خطة استفراد كل جبهة على حدة ، وتركيز القوة لمواجهة الوضع فيها ، ثم الانتقال إلى جبهة أخرى. واستطاعت الهاغاناه أن تحقق خطتها ، وأساسا لغياب خطة مضادة منسقة بين الجيوش العربية. ومع ذلك ، كان شهر القتال الأول هو الأصعب على الهاغاناه في الحرب ، إذ كانت المبادرة بأيدي الجيوش العربية ، وبصورة عامة ، لم تقم الهاغاناه بالمبادرة إلى الهجوم إلّا في حالات قليلة ، وباءت جميعها تقريبا بالفشل. وكان الملك عبد الله قد تولى القيادة العامة
__________________
(٧٧) «القضية الفلسطينية والخطر الصهيوني» ، مصدر سبق ذكره ، ص ٢٦٠ ـ ٢٦١.
(٧٨) المصدر نفسه ، ص ٢٦١.