والأكيد أن تعاقب وصول هذه الجماعات إلى السلطة ، بل غلبتها على غيرها والهيمنة على الآخرين ، في هذه المنطقة أو تلك ، لا يعكس بالضرورة تراتبية هجرتها زمنيا إلى المنطقة ، أو حتى دخولها والتوغل فيها حربا ، وبالتالي الاستيلاء بالقوة على السلطة. فجميع الدلائل المتوفرة تشير إلى أنه منذ أقدم العصور ، عاش السومريون في خلف والعبيد ، جنبا إلى جنب مع شعوب وجماعات أخرى ، تتباين عنهم لغويا وحضاريا ، أطلق عليها الباحثون اسم الشعوب السامية. ف «أكاد» ذاتها مأخوذة من اسم عاصمة ملكهم ، وكذلك الحال بالنسبة إلى أشور وبابل وغيرهما.
وفي غياب الوثائق التاريخية ، تبقى الفجوات تعتور معرفتنا بعلاقة الشعوب بعضها ببعض والتي ترد أسماؤها أو كناها ، في المصادر اللاحقة ، أي علاقة الأكاديين بالأشوريين والعموريين والكنعانيين والأراميين والعبرانيين ... إلخ. غير أنه مهما كانت أصول هذه الجماعات التي أقامت المدن الأولى بفلسطين في هذا العصر ، فالمعلومات الواردة إلينا ، أكانت من العراق أو مصر ، تؤكد أنه على المستوى الحضاري ، لم يكن سكان بلاد الشام أقلّ رقيّا. وقد زوّدت المدن في هذه المنطقة ، بما فيها فلسطين ، الممالك التي قامت في بلاد الرافدين ووادي النيل ، أكان ذلك عبر التجارة أو الجزية ، بالأخشاب والمعادن وغيرهما من المواد الأولية ، كما زودتها بالمصنوعات المتعددة كالعاجيات وسواها وبالمنتوجات الزراعية كالنبيذ وزيت الزيتون.
وتفيد الوثائق المسمارية أن السومريين كانوا يطلقون اسم عمورو أو أمورو على قبائل إلى الغرب من الفرات ، لم تكن مستقرة تماما. وكانوا يسمون جبل بشري (باسار) ، في بادية الشام ، مرتفعات العموريين ، إذ كانت تلك النقطة خط التماس بين منطقة نفوذ الدولة المركزية وسيطرة تلك القبائل. ولعل قلعة مدينة ماري العظيمة ، والتي تحولت إلى حامية متقدمة للحضارة السومرية ـ الأكادية ، حتى قبل عصر سرجون الأول ، قد أقيمت للتصدي لهذه القبائل ، في الشمال الغربي ، كما أقيمت قلعتا لا جاش وأوما في مواجهة القبائل الإيرانية في الجنوب الشرقي. ومع الزمن ، أصبح مصطلح عمورو (أمورو) يعني كل ما هو غرب الفرات ، جغرافيا وبشريا.
ومن هنا ، فمحاولات الباحثين إعادة بناء تاريخ فلسطين في هذه الفترة ، ومن مصادر متعددة ـ أثرية أو منقوشة أو مكتوبة ـ تبقى مليئة بالفجوات. ومع ذلك ، يتضح أن العموريين أدّوا دورا رئيسيا فيه. والإشارات إليهم ترد في الكتابات السومرية ـ الأكادية ، ويدّعي بعض ملوكهم أنه حارب قبائل عمورو وانتصر عليها. وأول من ادّعى ذلك هو ملك الوركاء (أوروك) ، واسمه لوجال زاجيسي ، الذي يتفاخر بأنه فتح البلدان