القديمة بحملات عسكرية ورحلات تجارية إلى فلسطين والساحل السوري. وتظهر التنقيبات الأثرية معالم طريق في شمال سيناء ، تصل بين الدلتا وجنوب فلسطين ، وربما إلى عراد (شرق بئر السبع) ـ منذ بداية الألف الثالث قبل الميلاد ـ هي بالتأكيد حلقة من الطريق البري الشهير طريق البحر (Via Maris).
وأظهرت الحفريات في جبيل (بيبلوس) ، التي كانت تهيمن على مناطق أشجار الأرز في لبنان ، ومنذ بداية الألف الثالث قبل الميلاد ، أدوات نقشت عليها أسماء ملوك مصر منذ السلالة الثانية فما بعد. ويرد في نقش حجر باليرمو الشهير أن سنّفرو الأول ، من السلالة الرابعة (القرن السادس والعشرون قبل الميلاد) ، أرسل أسطولا تجاريا ـ عسكريا ، من أربعين سفينة لجلب الأخشاب من جبيل. وبالنسبة إلى جبيل ، فهناك أسطورة فينيقية ـ كنعانية ، تقول إنها أقدم مدينة في العالم ، بناها الإله أيل الأكبر. وهناك دلائل على تجارة واسعة ومزدرهة بين هذه المدينة ومصر.
وحتى أيام السلالة الخامسة ، دعا المصريون سكان الأقاليم الواقعة إلى الشرق والشمال الشرقي بأسماء متعددة ـ هي في الأغلب أسماء صفة ، مثل سكان الرمال (جرير ـ شع) أو المنيتو أو الأوتيو ، التي لا تزال غامضة المعنى. أمّا منذ السلالة السادسة (القرن الرابع والعشرون قبل الميلاد) ، فيظهر الاسم عامو ، ذو الدلالة الإثنية ، والأصل السامي ، وقد يشير إلى العموريين. كما تبرز نقوش المدافن الفرعونية أسرى يمثلون أمام الملك نارمير ، وهم ذوو ملامح آسيوية ، يجثمون أرضا ؛ بينما الفرعون شاهرا عصاه كأنما يريد أن يهوي بها على رأس الأسير. وتتكرر هذه الصورة في مواقع أخرى ، إذ يظهر الفرعون وهو يهمّ بضرب آسيوي.
وعلى الرغم من ندرة الوثائق المكتوبة ، فإن النقوش والآثار تشير إلى أنه مع تبلور السلطة المركزية في مصر ، زادت العلاقات مع فلسطين والساحل السوري وثوقا. وبغض النظر عن المبالغات في النصوص والنقوش ، فهناك دليل واضح على تنامي الاهتمام المصري بغرب آسيا ، لأسباب دفاعية ، وخصوصا عن مناجم النحاس والفيروز في سيناء ، أو لأسباب اقتصادية تجارية كاستيراد الخشب والنبيذ والصوف والقطران (القار) والكبريت والعاجيات وصمغ الصنوبر (الذي يدخل في صناعة السفن) وزيت الزيتون ، الذي استعمل لأغراض طبية وفي التحنيط. وفي هذه العلاقات ، وحيث لم تنفع القوة ، عمد الفراعنة إلى دبلوماسية التحالفات والهدايا ... إلخ.
ونظرا إلى أهمية فلسطين بالنسبة إلى مصر ، عمد الفراعنة بداية إلى الحملات العسكرية لتأديب الجماعات التي تهدد طرق التجارة ، ومن ثمّ إلى إقامة حاميات عسكرية في مواقع استراتيجية على تلك الطرق ، وصولا إلى إخضاع المدن ، بحكامها