المحليين ، للنفوذ المصري ، المداور أو المباشر. ومن أيام السلالة السادسة (القرن الرابع والعشرون قبل الميلاد) ، وصلتنا وثيقة مفصلة عن النشاط العسكري المصري في فلسطين. وهي عبارة عن سيرة ذاتية للقائد أوني ، الذي عمل عند الفرعون بيبي الأول ، وقام بعدة حملات عسكرية إلى فلسطين. وتحدث في ذكر إحداها عن جيشه «الذي عاد سالما بعد أن قطع أشجار تينهم وكرومهم.» وعن أخرى ، حيث وصل إلى أنف الغزالة (جبل الكرمل) على الساحل ، ومن هناك انتشر جيشه في البلاد ، ينهب ويخرب ويستعرض بقوته سطوة الفرعون على كل من يثير القلاقل.
إن تكثيف النشاط العسكري المصري في غرب آسيا ، وتحديدا في فلسطين ، في الربع الأخير من الألف الثالث قبل الميلاد ، يوحي بحالة من عدم الاستقرار على الحدود الشمالية الشرقية. وهو يتزامن مع تعاظم قوة الأكاديين في العراق ، وتزايد نشاطهم العسكري إلى الغرب من الفرات. ويرى الباحثون أن هذه الحالة نتجت من حركة القبائل العمورية وتمركزها في هذه المنطقة ، ويعتقد البعض أن آثار الدمار التي تظهرها الحفريات في المواقع (التلال) ، لم تكن من فعل هذه القبائل ، وإنما قام بها المصريون في حملاتهم المتكررة. ومهما يكن الأمر ، فإنه ما أن بدأت السلطة المركزية في مصر تضعف (السلالة الثامنة) ، حتى أصبحت هذه القبائل تدق أبواب الدلتا. وفي الوقت نفسه كانت مدن جديدة تبنى على أنقاض القديمة ، مثل تل بيت مرسيم ، إلى الجنوب الغربي من القدس.
ثانيا : الهكسوس
قلة من المشكلات في تاريخ الشرق الأدنى القديم شغلت الباحثين كما فعلت هوية الهكسوس. واللفظ هو الصيغة اليونانية للكنية التي أطلقها المصريون على هذه الجماعة التي حكمت في الدلتا لمدة ٢٠٠ عام تقريبا ، من عاصمتها أفاريس. وإذ تتوفر ، من المصادر المتعددة ، معلومات عن حضارة الهكسوس المادية وعاداتهم ومعتقداتهم ومدنهم وتحصيناتهم وأساليب حربهم وتنظيمهم السياسي والاجتماعي ، يبقى أصلهم ـ مع ذلك ـ غامضا. فقد تضاربت آراء الباحثين المتعددين بهذا الشأن : حوريون أو حثيون أو قوقاز أو شعوب مختلطة هندية ـ أوروبية ، أو سامية غربية ، أي عمورية ، وبالتالي فهم الكنعانيون أو الفينيقيون ، كما يؤكد المؤرخ المصري مانيتو ، من العصر الهليني في مصر.
هناك أغلبية بين المؤرخين اليوم ، ترى أن الهكسوس هم بالأصل عموريون ، وقد تكون انضمت إليهم عناصر أخرى ، مثل الحوريين. ويستند هؤلاء في رأيهم هذا