لخدمة أهداف سياسية معاصرة ، وتحديدا لمصلحة الصهيونية السياسية ومشروعها الاستيطاني في فلسطين ، وخصوصا أن العصر الكنعاني في تاريخ فلسطين يتزامن مع ما يسمى عصر الآباء في التاريخ اليهودي. وباعتقاد أصحاب هذه النزعة أن التمويه على هوية الكنعانيين ، وبالتالي إبراز علاقة البلد بمن يسمون أبناء إسرائيل ، يخدم الادعاء الصهيوني بالحق التاريخي لليهود في فلسطين. غير أن موجة هذه الطروحات أخذت تنحسر في العقود القليلة الأخيرة.
وفي سياق النشاط الصهيوني لتبرير الاستيطان اليهودي الحديث في فلسطين ، جرى توظيف ما يسمى الدراسات التوراتية ، بل علم الآثار التوراتي. وقد قام مؤخرا عدد من الباحثين المرموقين بنزع الشرعية العلمية عن تلك الدراسات ، ونفي الأساس الموضوعي لذلك العلم. ويزداد الميل بين المختصين في تاريخ الشرق الأدنى القديم إلى اعتبار الكنعانيين جزءا من الأرومة العمورية التي تبلورت شخصيتها في بلاد الشام ، خلال الألف الثالث قبل الميلاد ، وتمددت شرقا في بلاد الرافدين ، إذ أقامت هناك إمبراطورية بابل القوية ، أيام حمورابي ، كما أسست ممالك متعددة في الجزء الغربي من الهلال الخصيب ، وإليها ينتمي الهكسوس الذين وصلوا مصر.
وتشير الدلائل المتوفرة ، ومن مصادر متعددة ، مكتوبة وسواها ، ومن العراق وسورية ومصر ، إلى أنه أكان ذلك قبل قيام إمبراطورية الهكسوس في مصر ، أو في فترة ازدهارها ، أو حتى بعد سقوطها ، ظلت فلسطين تشكل وحدة حضارية مع محيطها ، مادّيا وروحيّا. فحكم الهكسوس في مصر لم يكن ظاهرة مقطوعة الجذور عن بلاد الشام ، ولا انتهت بطردهم من الدلتا وملاحقتهم إلى جنوب فلسطين. والواضح أن نهاية حكم الهكسوس في مصر لم تؤد إلى انقلاب في النظام السياسي ـ الاجتماعي في المناطق التي كانت تحت حكمهم في فلسطين وسورية.
والواقع ، وكما يظهر من التنقيبات الأثرية ، فإن فلسطين لم تشهد في تاريخها السابق ازدهارا للمدن المسوّرة شبيها بهذا العصر ـ النصف الأول من الألف الثاني قبل الميلاد. وقد أقيمت هذه المدن في مواقع جديدة ، أو على أنقاض مدن أكثر قدما ، معروفة من الألف الثالث قبل الميلاد. وهي ، باستثناء حاصور (تل القدح) في شمال فلسطين ، التي تبلغ مساحة التل الذي احتلته قرابة ٧٠٠ دونم ، أقرب إلى القلاع منها إلى المدن ، وخصوصا الكبيرة منها في شمال سورية : ماري وكركميش ويمحاض وقطنا وأوغاريت. غير أن عددها كبير ، وهي تنتشر في جميع أنحاء البلد ـ في الساحل ، كما في الجبل ، وغور الأردن.
فعلى سبيل المثال لا الحصر ، تمّ الكشف عن مدن محصنة من هذا العصر في