بداية الألف الثاني قبل الميلاد ، تشير إلى عصر من الازدهار الكبير. والكثير من هذه المدن يقع على طرق التجارة الدولية ، الأمر الذي أدّى إلى نموها وتقويتها بسرعة. والتحصينات الضخمة ، كما القصور الملكية الفخمة ، والمباني العامة الباسقة ، تؤكد جميعها أن هذه المدن كانت بمثابة دول قوية وغنية ، تحكم محيطها ، وتسيطر على جزء من التجارة الدولية ، كما تقيم علاقات متشعبة مع مثيلاتها.
ويظهر من اللوحات المسمارية المكتشفة في ماري (تل الحريري) والالاخ (تل عطشانة) في سورية ، وكذلك من «كتب اللعنات» المصرية ، أن العموريين كانوا قد أنشأوا سلالات ثابتة في مدن ـ الدولة التي انتشرت في بلاد الشام. ومنها توغلوا في مصر وأسسوا إمبراطورية الهكسوس ، كما فعلوا ذلك سابقا في العراق وأسسوا إمبراطورية بابل الأولى ، التي بلغت أوج ازدهارها واتساعها أيام حمورابي (١٧٢٨ ـ ١٦٨٦ ق. م.). وبينما عرفت الممالك في سورية بأسماء مدنها : ماري ويمحاض (حلب) وقطنا والالاخ وغيرها ، فإن المصادر أطلقت على فلسطين اسم أرض ـ كنعان (كناخني أو كنياخي) ، سواء في وثائق نوزي العراقية ، أو تل العمارنة المصرية.
وتشير الدلائل إلى أن فلسطين ، في نهاية الألف الثالث وبداية الألف الثاني قبل الميلاد ، كانت تمرّ بمرحلة من التحوّلات الكبيرة سياسيا واجتماعيا ، إسوة ببلاد الشام عامة. فالمدن ـ الممالك تزداد عددا ، وهي تتطور عمارة وبنية ، كما تشهد ازدهارا واستقرارا ، الأمر الذي يشير إلى تبلور السلطة أو السلطات المركزية التي أصبحت عاملا سياسيا مهما في المنطقة بأسرها. وتؤكد ذلك أعمال التنقيب في جبيل وأوغاريت وحماة وبيت شان ومجدّو وجيزر والعيّ (التل) وغيرها. وشهدت بلاد الشام في هذه الفترة قيام ممالك عمورية (كنعانية) قوية مثل : ماري وطرقة وحران ويمحاض والالاخ وقطنا وقادش وحاصور ومجدّو وغيرها.
وحتى بعد طرد الهكسوس من مصر ، حافظت الممالك العمورية على قوتها وسيادتها في الهلال الخصيب. وعلى الرغم من غياب وحدتها السياسية ، فقد جمعتها وحدة حضارية ، وظلت العلاقات بين تلك الممالك قوية ، وفي مجالات متعددة ، أهمها التجارية والدبلوماسية. وإذ وقعت فلسطين ، وخصوصا جنوبها ، تحت النفوذ المصري ، فقد بقيت ، بابل في حوض دجلة والفرات وأشور في أعالي الدجلة ويمحاض في شمال سورية وقطنا في أواسط مجرى العاصي وحاصور في شمال فلسطين وأوغاريت وجبيل على الساحل الفينيقي ، ممالك قوية ومزدهرة اقتصاديا. كما قامت ممالك جديدة إلى الجنوب من ماري ، في خانة وطرقة على الفرات الأوسط.