التوسع ، واختارت المبادرة إلى الاشتباك بالشعوب المجاورة ، والعمل على إخضاعها وتسخير طاقاتها البشرية ومواردها الطبيعية في خدمة أغراضها هي.
كانت النوبة مهمة للفراعنة بسبب مناجم الذهب فيها ، وكذلك الطاقة البشرية. أمّا أرض ـ كنعان ، فأهميتها استراتيجية أولا ، واقتصادية ثانيا. فمن الناحية الاستراتيجية ، باحتلال فلسطين ينقل المصريون ساحة الصراع مع منافسيهم في غرب آسيا إلى خارج حدودهم. ومن الناحية الاقتصادية ، الهيمنة على فلسطين تعني السيطرة على طرق التجارة الدولية ، وبالتالي التحكم في حركة البضائع التي تمر بها. وفي فلسطين كان يمرّ طريقان مفصليان في التجارة الدولية آنذاك : الأول على الساحل ، وهو طريق البحر ، والثاني في الداخل ، وهو طريق الملك ، والفراعنة أرادوا وضع يدهم عليهما.
في النوبة أقام الفراعنة إدارة دائمة ، فبنوا مدنا وقرى ، وشحنوها بالجنود والمستوطنين. أمّا في أرض ـ كنعان ، فلم يفعلوا ذلك ، بل عمدوا إلى الإفادة من الإدارة القائمة ، ورفدوها بمندوبين من قبلهم ، تدعمهم حاميات عسكرية ، محدودة العدد والعدة. وفضلا عن ذلك ، استخدموا قوة الردع التي شكلتها الحملات العسكرية التأديبية المتتالية. ويبدو أن المصريين وعوا حدود قدرتهم على ضبط الأوضاع في فلسطين ، آخذين في الاعتبار إمكاناتهم الذاتية والواقع السكاني فيها ، وما له من روابط مع بلاد الشام والعراق. وبناء عليه ، زاوجوا بين الترغيب والترهيب ، تحاشيا لدفع الكنعانيين إلى الوحدة والانحياز إلى أبناء عمومتهم في الشمال ضد التغلغل المصري في غرب آسيا. ولكن هذه السياسة لم تصب نجاحا كاملا.
وعندما تهيّأت أوضاع مصر لتبني سياسة توسعية ، كانت فلسطين ، أسوة بكل الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط ، قد بلغت شأوا حضاريا وسياسيا يصعب إلغاؤه بهزيمة عسكرية. فالمجتمع العموري ـ الكنعاني في هذا العصر (منتصف الألف الثاني قبل الميلاد) ، كان يتمحور حول عدد من مدن ـ الدولة ، تتفاوت حجما وقوة. ومع أنها شكلت وحدة حضارية ـ لغوية ، إلّا إنها افتقدت مقومات الوحدة السياسية. ومع ذلك ، فقد قام فيها من تطلع إلى القيام بدور المركز السياسي ، أو ادّعى ذلك ، وسعى لإقامة ملكية كبيرة ، كما حدث في حاصور وقادش وتونب (وسط سورية) ونوخاشي (جنوب حلب) وأوغاريت وغيرها ، على سبيل المثال لا الحصر. وبتولي السلالة ١٨ السلطة في جنوب وادي النيل ، نحو سنة ١٥٨٠ ق. م. ، بدأت مرحلة جديدة في تاريخ مصر ، عرفت باسم المملكة الجديدة ، امتدت ٤٠٠ عام ، تعاقبت فيها على السلطة السلالات ١٨ و ١٩ و ٢٠. وفيها بلغت مصر ذروة