مصر مع بلاد الشام ، بل قطعت الطريق الدولي عند غزة. وكانت هذه الحملة بداية نشاطه.
وعاد سيتي إلى فلسطين ، وتجاوزها شمالا واصطدم بالحثيين. ثم سارع إلى إنقاذ الحامية المصرية في بيسان ، التي حاصرها تحالف كنعاني بين ملوك : فحل ورحوب وينوعام (على منابع الأردن). ولم يجد سيتي صعوبة في دحر هذا التحالف ، على الرغم من الإزعاج الذي سببه العابيرو لمؤخرة جيشه. وفي ينوعام تقبل مراسم طاعة حكام لبنان ، ما عدا عمورو التي استظلت بحماية الحثيين. ثم قام بحملة أخرى ، غير حاسمة ، ضد قادش وعمورو ، والأكيد أنه اصطدم بالحثيين. وترك سيتي مسلتين ـ إحداهما مكسورة ، في قلعة بيسان ـ تمجدان انتصاره على تحالف ملوك كنعان ، وفي المسلة المكسورة ، التي يصعب تحديد زمانها بالدقة ، يرد ذكر العابيرو بين القوى التي هزمها «الفرعون العظيم».
وفي نهاية القرن الرابع عشر قبل الميلاد ، مات العدوّان اللدودان : سيتي المصري ، ومورسيلي الحثي ، واحتل مكانهما ابناهما الشابان. وكان رعمسيس الثاني (١٣٠٠ ـ ١٢٣٣ ق. م. تقريبا) هو المبادر إلى فتح الصراع على الجانب المصري. فقام بحملة على مملكة عمورو في شمال لبنان ، ولم يشتبك مع الحثيين ، لكن الحرب معهم بدأت فعلا. وقد نقش رعمسيس الثاني مسلة على نهر الكلب تخلد الحملة. وفي عام حكمه الرابع ، كما يرد في سيرته ، خرج على رأس أربعة فيالق ، من المشاة والفرسان ، والتقى الحثيين عند قادش ، ودارت معركة شارك فيها أكثر من ٠٠٠ ، ٢٠ رجل على الجانبين ، ولعلها الأفضل توثيقا من أية معركة أخرى معروفة ، قبل معركة الماراثون بين الفرس واليونان سنة ٤٩٠ ق. م.
ويفاخر رعمسيس ، الذي نجا من الموت بأعجوبة ، بفضل شجاعته وتردد ملك الحثيين ، بأنه أحرز النصر في المعركة. ولعله على حقّ ، مع أن الصراع مع الحثيين لم يحسم ، وقادش لم تسقط بيده ، وعمورو عادت إلى الانحياز إلى الحثيين ، وكنعان تمردت فور انسحابه منها عائدا إلى مصر. ولذلك ، اضطر رعمسيس إلى القيام بحملة أخرى إلى فلسطين ، ودمر المدن ، ومع ذلك عمد إلى عقد معاهدة سلام مع الحثيين. وبنود هذه المعاهدة الدبلوماسية الدولية وصلت إلينا بصيغتيها ـ الحثية والمصرية. وهي تشير إلى توازن القوى بين الدولتين. وأقرّ الطرفان بالحدود بينهما ، كما كانت أيام سيتي الأول. وقد توصلا إليها بعد الاقتناع بعبثية استمرار الحرب بينهما ، وخصوصا أنهما يواجهان عدوّا مشتركا ، هو شعوب البحر. وصارت المنطقة التابعة للحكم المصري تعرف باسم أرض ـ كنعان ، الوارد ذكرها في التوراة.