١٣٨ م) ، وتكرّس الاسم في العصر البيزنطي ، وفي التراث المسيحي ، فأصبح الاسم الكنسي الرسمي مضافا إليه صفة الأرض المقدسة ، التي أصبحت أحيانا تستعمل اسما للبلد. ولاحقا اعتمده العرب بعد الفتح ، فدعوا جزءا منها جند فلسطين ، الذي هو أحد «كور» بلاد الشام. وقد عرفت أجزاء متعددة من البلاد بأسماء مختلفة عبر العصور ، كما دعاها اليهود إيرتس يسرائيل (أرض ـ إسرائيل) ، وهو الاسم الذي شاع استعماله بينهم بعد خراب الهيكل الثاني (٧٠ م).
وكما عرفت فلسطين أسماء متعددة ، هكذا أيضا عاصمتها القدس ، المدينة المقدسة للديانات التوحيدية الثلاث ـ اليهودية والمسيحية والإسلامية. وكذلك الأمر بالنسبة إلى عدد كبير من مدنها القديمة ، إذ أطلقت عليها أسماء متعددة عبر العصور. والاسم الأقدم المعروف للقدس هو أوروشالم ، نسبة إلى إله السلم الكنعاني. وهو يرد بهذه الصيغة ، أو القريبة منها ، في الوثائق المصرية منذ بداية الألف الثاني قبل الميلاد ، في رسائل تل العمارنة. وفي التوراة ، يرد الاسم بالصيغة العبرية يروشالايم ، كما يشار إليها بأسماء صفة متعددة. ومن أسماء القدس يبوس ، نسبة إلى اليبوسيين (الكنعانيين) الذين أسسوها وبنوا فيها حصنا. واستولى عليها منهم الملك داود ، فصارت تعرف باسمه مدينة داود ، بعد أن عمّرها ووسعها ، وجعلها عاصمة ملكه. وأطلق عليها هدريان اسم إيليا كابيتولينا (١٣٥ م) ، عندما أعاد بناءها كمدينة رومانية بعد خرابها. إلّا إن قسطنطين الكبير (٣٠٦ ـ ٣٣٧ م) ، أعاد إليها اسم أورشليم بعد اعتناقه المسيحية. ومنذ الفتح العربي ، استبدل اسم إيليا ببيت المقدس ، والقدس ، حتى يومنا هذا.
ولم تكتشف في فلسطين حتى الآن وثائق مكتوبة من عصور التاريخ الأولى ، أسوة بالعراق ومصر ، وحتى سورية. لكن يستبعد ألّا تكون الكتابة معروفة فيها خلال تلك الفترة ، لما كانت تربطها بتلك الأقطار من علاقات حضارية وسياسية وتجارية. والاكتشافات الأخيرة في إبلا (تل مرديخ) قد غيّرت الصورة التي كانت قائمة حتى وقت قريب ، من أن الكتابة ، التي عرفت في مصر والعراق منذ الألف الرابع قبل الميلاد ، لم تدخل بلاد الشام إلّا بعد فترة طويلة. فقد أبرزت المكتشفات في أرشيف إبلا أن الكتابة عرفت في سورية قبل ذلك بألف عام ، الأمر الذي يضعها في مصاف المركزين الحضاريين الآخرين في الشرق الأدنى القديم. وإلى أن يتم اكتشاف مثل هذه الوثائق في فلسطين ، سيبقى البحث في تاريخها القديم يعتمد كثيرا على ما تزوده مصادر الأقطار المجاورة ، فضلا عن الدراسات الأثرية ، التي وفرت حتى الآن معلومات مهمة جدا عن فلسطين في تلك العصور. وهي على العموم تؤكد أهميتها في محيطها ، حضاريا وسياسيا واقتصاديا ، كجزء عضوي وحيوي من بلاد الشام ،