مقر إقامة «إله إسرائيل» ، وهناك سلمت التوراة إلى موسى. وفي «التيه» تبلورت شخصية الجماعة التي أسميت أبناء إسرائيل. والتي أسبغ عليها لاحقا مصطلح الأمة اليهودية ، وتشكل وعيها لذاتها على أساس «الاختيار الإلهي» ، والتمايز عن بقية الشعوب ، والفهم الحتمي للتاريخ ، وعلاقة هذا التاريخ بالجمع بين اليهود ، وما يسمونه أرض إسرائيل ، هو البديل لما كان يعرف بأرض ـ كنعان.
خامسا : الفلسطيّون
ليس معروفا بالدقة حتى الآن من أين جاء ذلك الشعب ـ أو مجموعة الشعوب ـ الذي عرفت فلسطين به ، كليا أو جزئيا ، على الدوام أو على فترات متقطعة ، خلال السنوات الثلاثة الآلاف الأخيرة ، حتى يومنا هذا. ومرة أخرى ، ليس أكيدا أنهم عرّفوا بأنفسهم بهذا الاسم ، لكن المصريين أطلقوه عليهم ، كما ورد في وثائقهم. فقد ورد ذكرهم في عدد من المصادر المصرية ، وخصوصا في اللوحات الجدارية من مدينة هابو ـ عاصمة رعمسيس الثالث (١١٨٤ ـ ١١٥٣ ق. م. تقريبا). والصيغة الهيروغليفية للاسم هي «بلست». أمّا السجلات الأشورية فأوردته بصيغة «بلستو» ، وفي التوراة بصيغة الجمع «بلشتيم».
بعد المعاهدة بين مصر والحثيين ، سادت فترة من الهدوء والاستقرار ، كانت الحدود فيها مفتوحة للتجارة والتبادل الحضاري ، من مصر حتى البحر الأسود ، ومن الفرات إلى البحر الأبيض المتوسط وبلاد اليونان. وشهد الشرق الأدنى القديم في العقود الأخيرة من القرن الثالث عشر قبل الميلاد ، فترة من الازدهار والسلام والعلاقات التجارية والحضارية ، تعززت بزواج رعمسيس من ابنة ملك الحثيين ، حاتوسيلي الثالث. ولكنها كانت فترة الهدوء الذي يسبق العاصفة ، والتي جاءت فعلا ، وهذه المرة من الشمال الغربي ، من منطقة بحر إيجة ، عبر موجات من الغزاة ، عرفوا باسم شعوب البحر ، ومنهم الفلسطيّون. ووصلت هذه الموجة ذروتها في النصف الأول من القرن الثاني عشر قبل الميلاد.
لقد تضافرت عوامل متعددة ، لعل أهمها ضعف الإمبراطوريتين ـ الحثية والمصرية ـ لتقذف إلى الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط هجرات واسعة ، غيّرت وجه العالم القديم. وهذه الهجرات أنهت عصر البرونز ، ودشّنت عصر الحديد ، نحو سنة ١٢٠٠ ق. م. وإذ استطاعت مصر أن تصمد في وجه الغزاة ، وتصدهم عن التوغل في أراضيها ، وتفرض عليهم الاستقرار في الساحل الفلسطيني ، فإن مملكة الحثيين سقطت جراء ضرباتهم. وبسقوط هذه المملكة ، فتح الباب أمام