ومع مطلع القرن الثاني عشر قبل الميلاد ، راحت هذه الموجة تتعاظم وتتقدم برّا وبحرا ، من آسيا الصغرى ، مرورا بسورية ، ففلسطين ، فمصر. وأخذت في طريقها مملكة الحثيين ، وكذلك المدن السورية : كركميش وأوغاريت وأرواد ومملكة عمورو في شمال لبنان. وبفضل سوء الإدارة المصرية في ولاية كنعان ، لم يجد الغزاة مقاومة تذكر في اندفاعهم نحو قلب مصر. وكانت هذه الأخيرة تمرّ بفترة من الاضطراب الداخلي ، بعد موت مرنفتاح. وهذا ما زعزع أركان حكمها في فلسطين ، وجعل الولاة فيها محبطين ، أكان ذلك إزاء حركة شعوب البحر من الغرب ، أو تغلغل القبائل من الشرق ، وخصوصا تمركز بني إسرائيل في سلسلة الجبال الوسطى ، وتمددهم في اتجاه مرج ابن عامر والجليل الأسفل.
وبعد أن تولى رعمسيس الثالث الحكم ، ونجح في ضبط الأوضاع الداخلية وإقامة سلطة مركزية قوية ، توجه إلى مقارعة شعوب البحر ، فاستطاع دحرهم من الدلتا ، وصدّ تقدمهم في جنوب فلسطين. وبعد هزيمتهم ، ركب بعضهم البحر ، وتوجه غربا وانتشر في شمال إفريقيا ، كما يبدو. أمّا الآخرون ، فقد استقروا على الساحل الفلسطيني ، وعملوا لاحقا في خدمة الفرعون ، فحلّوا محل الحكام المحليين الكنعانيين ، وأسسوا مع الوقت خمس مدن ـ دولة ، هي : غزة وعسقلان وأسدود وجات وعقرون. ثم ما لبثوا أن راحوا يتوسعون شمالا وشرقا ، فاصطدموا بالقبائل الإسرائيلية ، التي كانت في مرحلة الانتقال من حياة البداوة إلى الاستقرار في الداخل ، وخصوصا في المنطقة الجبلية الوسطى.
وتمركز الاستيطان الفلسطي بداية في السهل الساحلي ، وخصوصا في جزئه الجنوبي ، ثم تمدد مع الزمن في اتجاه الجبال الوسطى ، فأقام مراكز في الهضبة. ويفيد مصدر مصري أن دور (جنوب حيفا) ، كانت مركزا لجماعة منهم. وإذ لا تعرف حدود استيطانهم الشمالية ، فقد دعي السهل الساحلي الجنوبي باسمهم ، ثم جرى تعميمه على فلسطين كلها لاحقا. والفلسطيون جلبوا معهم صناعة السلاح الحديدي ـ السيوف والخوذ والدروع ـ وكذلك نوعا متميّزا من الفخار ، يحمل طابعا يونانيا ـ قبرصيا. وفي معبد تمّ كشفه في تل ـ القصيلة (شمال يافا) ظهرت تأثيرات مصرية وإيجية على فن العمارة الكنعاني المحلي.
سادسا : الإسرائيليون
الرواية التوراتية تؤكد أن إبراهيم سلف العبرانيين ، هاجر من مدينة أور السومرية ، واتجه شمالا إلى حرّان ، ومن هناك إلى فلسطين. لكن شريعة موسى