تبلورت بعد الخروج من مصر ، وفي أثناء التجوال في الصحراء (التيه) ، قبل الدخول إلى أرض ـ كنعان ، والاستقرار بها ، بصورة أو بأخرى. ويسود الاعتقاد بين المؤرخين أن العبرانيين لم ينزلوا كلهم إلى مصر ، ولا كل من عرف لاحقا باسم الإسرائيليين خرج مع موسى من مصر. والجماعة التي تبعته كانت من أصول متعددة ، تجمعت حول رايته على قاعدة الشريعة التي بشّر بها ، والهدف الذي سعى له في تجواله حول أرض ـ كنعان ، باحثا عن سبل الدخول إليها.
والتغيير الفجائي في نمط حياة أتباع موسى ، من العبودية لدى الفرعون إلى الحرية في التيه ، استلزمت أساسا روحيا للانضواء تحت راية قيادته لهم في ترحالهم وتحديد مآلهم. وكان طبيعيا ، بل حتميا ، أن تأخذ شريعة موسى طابعا دينيا ، وخصوصا أن مسألة خروج الإسرائيليين من مصر بمجملها اتخذت صفة التدبير الإلهي. وبحسب التوراة ، صعد موسى إلى جبل سيناء ، مقام يهوى ـ إله إسرائيل ـ واختلى به ، وتسلّم منه الوصايا العشر. وبقبول أتباعه هذه الوصايا ، أقاموا العهد مع يهوى ، الذي أصبح حارسهم ومرجعهم الأعلى والأخير.
وفي الواقع ، فإن ديانة يهوى وشريعة موسى أدّتا دورا أساسيا في تجميع قبائل عبرانية محلية حول راية أتباع موسى ، القادمين من مصر ، في مرحلة احتلال أجزاء من أرض ـ كنعان واستيطانها. ويهوى ، كإله حرب قبلي ، وشريعة موسى ، كأساس للعهد معه ، شكلا ضرورة حيوية للإسرائيليين في مرحلة الاحتلال ، وبالتالي الصراع مع أهل البلد الأصليين ، كما مع القبائل الأخرى المنافسة. ففي الصراع مع الفلسطيين ، كما مع الكنعانيين والقبائل الأخرى المندفعة من الشرق ، برزت الحاجة إلى طلب المساعدة من يهوى وتدخله في القتال إلى جانب «شعبه المختار» ، الذي قطع «العهد» معه.
أمّا بعد الاستقرار والتحوّل إلى الزراعة ، فقد برز التأثير الكنعاني في العودة إلى عبادة آلهة الخصوبة ، ذات الجذور العميقة في مجتمع المدن في الشرق الأدنى القديم ، مثل : إيل وبعل وعشتار وغيرهم. وكان تقبّل قطاعات من الإسرائيليين ، وخصوصا من الطبقات العليا والحاكمة ، العبادات الكنعانية (الفينيقية) سببا في الصراع الداخلي ، الذي اندلع مع قطاعات أخرى شعبية ، كان يمثلها الأنبياء. وقد تشبثت هذه القطاعات الشعبية بوحدانية عبادة يهوى ، وبشريعة موسى ، وخصوصا في أوقات الشدة ، الأمر الذي برز منذ أيام داود وسليمان ، أي أيام المملكة المتحدة ، لكنه تفاقم بعد موت سليمان وانقسام المملكة.
وتنضح التوراة بالحض على التوبة إلى يهوى ، والخضوع لإرادته والتشبث