بعبادته. كما أن يده تظهر في توجيه الأحداث التاريخية جميعها ، وقوته تبرز من خلال العقاب الذي ينزله بالخارجين على طاعته ، أو بالثواب الذي يمنحه للسائرين في دربه. والخروج من مصر ، كما احتلال أرض ـ كنعان ، هما من العلامات التي كشف بها يهوى عن ذاته من خلال التاريخ. وهو بالتأكيد قادر على فعل العكس تماما ، فهو عادل ، كما هو صارم ، لا يتهاون في نقض العهد معه. وكناطقين باسمه ، تبنى الأنبياء دعوته إلى عبادة مطلقة له ، لا تقبل الشرك ، ولا تطيق الخروج على الطاعة والمعصية للإرادة. وبناء عليه ، فإن سلام إسرائيل هو الدليل على رضى يهوى عنها ، والمصائب التي تحل بها مؤشر إلى غضبه عليها. وهو أساس مفهوم هؤلاء الأنبياء لحركة التاريخ وفلسفته.
وانطلاقا من أن يد يهوى تحرّك التاريخ العالمي عامة ، واليهودي خاصة ، عالج كتبة التوراة ، بالجمع والتصنيف والتحرير ، الأحداث الواردة فيها ، فجاءت رواياتهم غير تاريخية. وبينما اعتبرها البعض مجرد أساطير ولا تصلح مادة أولية للتاريخ ، رأى فيها البعض نوى حقيقية للأحداث ، يمكن الإفادة منها في دعم المصادر الأخرى المكتوبة والأثرية. في المقابل ، ذهب البعض إلى توظيف المصادر الأخرى كبرهان ، مباشر أو مداور ، للواقع الذي تعكسه الروايات التوراتية. أمّا الدراسات التوراتية فقد وظفت علم الآثار التوراتي في ملاءمة الواقع مع النص الوارد في تلك الروايات. وبتباين المناهج تنوّعت أساليب كتابة تاريخ هذا العصر ، وتناقضت النتائج.
وأصحاب المنهج التوراتي ، ومن يجاريهم في منظوره ، ينطلقون من أن إسرائيل القديمة استوعبت التاريخ على أنه حكم الله على الجنس البشري ، بما يقود حتما إلى «الخلاص العالمي» ، عبر توجيه الله لما صار يعرف ب «شعب الله المختار». ومن هنا انفردت إسرائيل القديمة بين الشعوب الأخرى المعاصرة بامتلاك «الوعي التاريخي». وبناء عليه ، فالروايات التوراتية ، كسجل للأحداث في حياة هذا الشعب ، وبالتالي ، علاقته بيهوى ، من جهة ، وبالأرض التي وعده بها (أرض ـ الميعاد) ، من جهة أخرى ، تصبح كتابات تاريخية حقيقية. ومثل هذا المنهج في كتابة التاريخ ، وبالتالي الإصرار على اعتبار الروايات التوراتية مادة تاريخية ، لا يعكس فكرا علميا ، ولا أمانة فكرية مبدئية ، وإنما مفهوما مغلقا لفلسفة التاريخ وحركته.
ويستخلص من الرواية التوراتية أنه بعد الخروج من مصر ، والتيه في الصحراء أربعين عاما ، دخل بنو إسرائيل أرض ـ كنعان ، من منطقة أريحا ، واحتلوها بعملية واحدة مستمرة طالت سبع سنوات. وكان ذلك بناء على خطة مسبقة ، قسمت فيها الأرض بين الأسباط الاثني عشر ، بقيادة موسى بداية ، ثم من بعده يهوشوع. وهذه