الرواية تثير الشكوك في صدقيتها ، ليس فقط لأنها غير واقعية ، ولغياب أي دليل على مضمونها ، وانعدام أية إشارة لهذا الحدث في المصادر المصرية أو العراقية ، وإنما أيضا لتناقضها مع روايات أخرى في التوراة ذاتها. وعلاوة على ذلك ، فرواية «سفر يهوشوع» غير متماسكة ، وتحمل طابعا أسطوريا خياليا. وهناك خلط بالمواقع والأسماء ، وهذا يدل على أن هذه الرواية هي نوع من الصيغة الرسمية ، التي جمعت بعد فترة زمنية طويلة ، ومن مصادر متعددة ومتنوعة ، على يد كتبة لا يعرفون تاريخ الفترة السابقة ولا جغرافيتها السكانية. كما أن الهدف من كل هذه العملية لدى هؤلاء الكتبة كان دينيا ، وليس تاريخيا بالأصل.
والفكرة المركزية في قصة الخروج من مصر ، بقيادة موسى ، تتمحور حول التخلص من العبودية لحكم الفرعون ، وليس هدفها تحقيق «الوعد الإلهي» لإبراهيم بميراث أرض ـ كنعان ، بحسب الدعوى التوراتية. والتيه في الصحراء مدة أربعين عاما ، بين مصر وفلسطين ، إنما هو دليل على غياب هدف محدد مسبق لهذا الخروج ، وأن السبب المباشر له ، والعامل الضاغط عليه ، هو الإفلات من قبضة الفرعون. وبناء عليه ، تكون فكرة دخول أرض ـ كنعان والاستقرار بها تبلورت في مسار التيه في الصحراء ، وعبر الاحتكاك بالقبائل الأخرى المتعددة ، التي كانت في مرحلة انتقالية من البداوة إلى الاستقرار بجنوب فلسطين وشرقي الأردن. ولذلك جاء الغزو الإسرائيلي لأرض ـ كنعان من الشرق ، متجها نحو المنطقة الجبلية الوسطى ، ومترافقا مع حركة قبائل أخرى في هذا الاتجاه.
ويستدل من المصادر المصرية ، وخصوصا رسائل تل العمارنة (القرن الرابع عشر قبل الميلاد) ، أن منطقة الجبال الوسطى في فلسطين كانت قليلة السكان ، لم تولها السلطة المركزية المصرية اهتماما في أيام السلالتين ١٨ و ١٩. والمصريون الذين لم يرغبوا في القيام بدور الشرطي في هذه المنطقة ، وبالتالي لم يشحنوها بالحاميات العسكرية ، وعوا الخطر الكامن في تركها مناطق تجمّع للقبائل المتمردة ، فأولوا حفظ الأمن فيها إلى الحكام المحليين ، الذين برز بينهم حاكما أورشليم وشيكم. وتركز دور هؤلاء الحكام على كبح العناصر البدوية من تهديد طرق التجارة الرئيسية ، وإبقائها بعيدا عن المناطق الحيوية للأمن المصري على ساحل فلسطين وفي جنوبها.
ومنذ بداية القرن الخامس عشر قبل الميلاد ، بدأت أخبار القلاقل والاضطرابات تتوارد على البلاط الفرعوني من فلسطين وسورية ، ليس بسبب تمرد الحكام ، كما في بداية الألف الثاني قبل الميلاد ، وإنما نتيجة نشاط عناصر بدوية غير خاضعة لسلطة أحد. وفي البداية ، أفادت هذه العناصر من الصراع المثلث الجوانب ، بين القوى