السلالة ١٩ الأوائل أعادوا تأكيد سيطرتهم في بداية القرن الثالث عشر قبل الميلاد ، إلّا إن هذه السيطرة سرعان ما راحت تتضعضع ثانية. وفي هذه الفترة تفاقم تغلغل العابيرو في النصف الثاني من حكم رعمسيس الثاني الطويل (١٢٩٠ ـ ١٢٢٤ ق. م. تقريبا).
ورسائل تل العمارنة تكشف أن بعض حكام المدن شكلوا حولهم وحدات سياسية كبيرة نسبيا ، كما هو الحال في عسقلان وجيزر وأورشليم وشيكم ومجدو وعكا وحاصور. ويستفاد أن حاكم شيكم ، لبعايو ، أقام علاقة قوية مع العابيرو ، ولم ينفذ السياسة المصرية ، الأمر الذي استلزم إزاحته. لكن العابيرو بقوا. وفي أورشليم ، عيّن الفرعون ابنا صغيرا للحاكم بدلا منه ، هو عبدي هبة ، الذي يظهر استعداده لمقاتلة العابيرو ، ويطلب مساعدة الفرعون لهذا الغرض ، وبسرعة قبل فوات الأوان. وهذا يدل على أنه خلافا للمنطقة الساحلية ، حيث النفوذ المصري كان قويا ، وخصوصا في المناطق التي تمر بها طرق القوافل ، فإن السلطة في الداخل كانت هشة ، وخصوصا في منطقة الجبال الوسطى.
أمّا حول فلسطين ، فإلى الشرق كانت تتشكل وحدات سياسية في : أدوم ومؤاب وعمون والجلعاد. وفي جنوب سورية ، تبرز دمشق كمركز سياسي يسعى لتوسيع سيطرته شمالا وجنوبا ، ويعمل على تشكيل ائتلاف يضم عددا من الممالك الصغيرة مثل عشتروت ، التي كانت في صراع مستمر مع مملكة حاصور في الجليل الأعلى. وفي لبنان ، تبرز دولة عمورو كمملكة فاصلة بين المصريين والحثيين ، وتعمل على تدعيم استقلالها وبسط نفوذها على الساحل الفينيقي ، وبالتالي السيطرة على التجارة مع العراق ومصر. وفي الجزيرة السورية يبرز الأراميون كقوة جديدة وفاعلة على الجبهتين ـ الحثية والأشورية. وهكذا يتضح أنه عشية الغزو الإسرائيلي لفلسطين ، كانت قد تشكلت في محيطها وحدات سياسية ناشئة وقوية حالت دون استقرار قبائل جديدة في مناطقها.
لقد تبلورت الوحدات السياسية ، القائمة على الانتماء الإثني ، في شرقي الأردن قبل استقرار القبائل الإسرائيلية وائتلافها غربي النهر. والدلائل تشير إلى أن ذلك جرى في نهاية حكم السلالة ١٨. أمّا في فلسطين ، فإن نفوذ السلطة المصرية في الساحل ، ووجود مدن الممالك الكنعانية في الداخل ، أعاقا توحد القبائل ، وبالتالي تشكّل جماعات كبيرة قادرة على إقامة مراكز قوى فاعلة. فانتشرت القبائل على أطراف المدن ، وفي المناطق الجبلية ، واشتغلت بالرعي أصلا ، وببعض أنواع الزراعة والتجارة. وائتلاف هذه القبائل خضع لعاملين مرتبطين جدليا : الأول ، مسار تدهور سلطة حكام المدن ، كل بمفرده ؛ والثاني ، ازدياد قوة القبائل وعدد أفرادها