عليه ، برز عدد من القادة العسكريين ، أدّوا دورا مركزيا في إدارة الصراع ، مثل جدعون وأبيميلخ ، لكنهم لم يتوصلوا إلى الملكية. ولم يفلح كل الضغط الخارجي على الإسرائيليين في حينه ، في حملهم على التنازل عن قبليتهم. لقد تساندت القبائل للقتال ضد العدو المشترك من سكان المدن الكنعانية المتحضرة. لكن الروابط الذاتية بينها لم تكن من القوة بحيث تشكل أساسا لوحدة سياسية اندماجية.
وبعد منتصف القرن الحادي عشر قبل الميلاد ، عندما تفاقم الضغط على القبائل الإسرائيلية في الجبال الوسطى ـ الفلسطيون من الغرب والعمونيون من الشرق ـ نضجت في وقت الشدة الأوضاع لقيام الملكية على تلك القبائل. ففي هذه الفترة توغل الفلسطيون في المنطقة الجبلية ، ووصلوا إلى شيلو ، المركز الديني للقبائل الإسرائيلية ، واحتلوها وخربوها وأخضعوا المنطقة لحكمهم. في المقابل ، قام ناحاش ، ملك العمونيين ، بإخضاع القبائل في منطقة الجلعاد ، التي كانت تربطها علاقات قربى بسبط بنيامين ، الذي منه خرج شاؤول ، أول ملك لإسرائيل. وقد نصّبه في هذا الموقع صموئيل (شموئيل) ، النبي الذي حمل لواء المقاومة ضد الفلسطيين ، في الجبال الوسطى ، حيث أقامت قبيلتا بنيامين وإفرايم.
واستطاع شاؤول (١٠٢٠ ـ ١٠٠٤ ق. م.) ، بالاعتماد على أبناء قبيلته بداية ، ومن خلال تكتيكات عسكرية سريعة ومفاجئة ، أن يهزم العمونيين ويصدهم عن الجلعاد. ثم توجه نحو الحاميات الفلسطية الصغيرة في المنطقة الجبلية ، فطردها إلى الساحل. وراح بعد ذلك يوسع حدود نفوذه في الاتجاهات جميعها : الجبعونيون في الغرب والعمالقة في الجنوب وأبناء لوط وقيدم في الشرق. وأخيرا ، دحر الفلسطيين بالقرب من بيت جبرين ، في المعركة التي بحسب الرواية التوراتية انتصر فيها داود على جليات بالمقلاع. والواضح أن شاؤول لم ينجح في إقامة الوحدة بين القبائل الإسرائيلية ، كما أن حدود ملكه غير واضحة تماما. ومقدار التزام القبائل بملكه يتضح من خلال الحقيقة التاريخية أن هذه القبائل لم تعد إلى استقلاليتها بعد زوال الخطر الخارجي فحسب ، بل إلى الصراع بين بعضها البعض بشأن الأرض التي وقعت في أيديها.
وبغض النظر عن الجانب الأسطوري في القصة ، فالواضح أن داود قد برز كقائد عسكري في هذه المعركة ، وأخذت شعبيته تتسع ، الأمر الذي أثار حقد شاؤول عليه ، وخصوصا بعد أن فشل هذا الأخير في ضمان ولاء القبائل له ولذريته كملك. وتفاقم الوضع بين الاثنين ، على خلفية قبلية ، إذ كان داود ينتمي إلى سبط يهودا ، البعيد في الجنوب على حدود الفلسطيين ، والذي رفض الانصياع لرغبة شاؤول في تنصيب نفسه