فجئت حتى قرعت الباب ، قال : فقيل : من هذا؟ قال : قلت : ابن الخطاب ، قال : وكانوا يقرءون كتابا في أيديهم ، قال : فقاموا مبادرين فاختبئوا مني ، قال : وتركوا الصحيفة على حالها ، قال : فلمّا أن فتحت لي (١) أختي قال : قلت لها يا عدوة نفسها أصبوت ، وأرفع شيئا في يدي فأضرب بها رأسها وسال الدم ، فلما رأت الدم بكت المرأة ، وقالت : يا ابن الخطاب ما كنت فاعلا فافعله فقد صبوت.
قال : فدخلت وأنا مغضب حتى جلست على السرير ، فنظرت فإذا صحيفة وسط البيت قال : فقلت لها : ما هذه الصحيفة؟ اعطنيها ، فقالت : إنّك لست من أهلها ، إنّك لا تغتسل من الجنابة ، ولا تطهر وهذا لا يمسه إلّا المطهرون ، قال : فلم أزل بها حتى أعطتنيها قال : ففتحتها فإذا فيه : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، فلما قرأت (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ذعرت ، وألقيت الصحيفة من يدي ثم رجعت إلى نفسي ، فأخذتها فإذا فيها : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(٢) قال : فكلما مررت باسم من أسماء الله ذعرت ، ثم ترجع إليّ نفسي ، قال : حتى بلغت : (آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ، وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ)(٣) قال : فقلت : أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأن محمّدا رسول الله. قال : فخرج القوم مستبشرين ، فكبّروا قال : ثم قالوا : أبشر يا ابن الخطاب ، فإن رسول الله صلىاللهعليهوسلم دعا في يوم الاثنين فقال : «اللهمّ أعزّ الإسلام بأحب الرجلين إليك أبي جهل بن هشام وإمّا عمر بن الخطاب» وأنا أرجو أن تكون دعوة رسول الله صلىاللهعليهوسلم لك ، فأبشر.
قال : فقلت : دلّني على مكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأخبروني أنه في بيت في أسفل الصفا ، قال : فخرجت حتى جئت الباب ، فقرعته فقالوا : من هذا؟ قال : قلت : ابن الخطاب ، قال : فما اجترأ أحد منهم أن يفتح لي قال : قد علموا شدّتي على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ـ يعني ـ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «افتحوا له ، فإن يرد الله به خيرا يهده» ، قال : ففتحوا له ، قال : ثم أخذ رجلان بعضديّ حتى أجلساني بين يدي النبي صلىاللهعليهوسلم قال : فقال : «خلّوا عنه» ، ثم أخذ بجمع قميصي ، فجذبني إليه ، وقال : «أسلم يا ابن الخطاب ، اللهم اهده» ، قال : فقلت : أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنك رسول الله ، قال : فكبّر المسلمون تكبيرة حتى سمعت في طرق مكة ، وكانوا قبل ذلك مستخفين.
__________________
(١) بالأصل : «إلى».
(٢) سورة الحديد ، الآية الأولى.
(٣) سورة الحديد ، الآية : ٧.