ثم إن قريشا بعثت عمر بن الخطّاب وهو يومئذ مشرك في طلب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ورسول الله صلىاللهعليهوسلم في دار في أصل الصفا ، ولقيه النّحام وهو نعيم بن عبد بن أسد أخو بني عدي بن كعب ، قد أسلم قبل ذلك ، وعمر متقلد سيفه فقال : يا عمر أين تراك تعمد؟ فقال : أعمد إلى محمّد ، هذا الذي سفّه أحلام قريش وسفّه آلهتها ، وخالف جماعتها ، فقال له النحام : لبئس الممشى مشيت يا عمر ، ولقد فرطت وأردت هلكة بني عدي بن كعب (١) أو تراك تنفلت (٢) من بني هاشم وبني زهرة ، وقد قتلت محمدا صلىاللهعليهوسلم؟ فتحاورا حتى ارتفعت أصواتهما ، فقال له عمر : إني لأظنك قد صبوت (٣) ، ولو أعلم ذلك لبدأت بك ، فلما رأى النحام أنه غير منته قال : فإني أخبرك أن أهلك وأهل ختنك قد أسلموا وتركوك وما أنت عليه من ضلالتك (٤) فلما سمع عمر تلك المقالة يقولها قال : وأيهم؟ قال : ختنك ، وابن عمك ، وأختك ، فانطلق عمر حتى أتى أخته ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا أتته الطائفة من أصحابه من ذوي الحاجة نظر إلى أولي السعة ، فيقول : عندك فلان ، فوافق ذلك ابن عم عمر وختنه زوج أخته : سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل. فدفع إليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم خبّاب بن الأرتّ مولى ثابت ابن أم أنمار حليف بني زهرة. وقد أنزل الله عزوجل : (طه ، ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى ، إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى) وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم دعا ليلة الخميس فقال : «اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب ، أو بأبي الحكم بن هشام» فقال ابن عم عمر وأخته : نرجو أن تكون دعوة رسول الله صلىاللهعليهوسلم لعمر ، فكانت.
قال : فأقبل عمر حتى انتهى إلى باب أخته ليغير عليها ما بلغه من إسلامها ، فإذا خباب ابن الأرتّ عند أخت عمر يدرس عليها (طه) وتدرس عليه (٥) : (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) ، وكان المشركون يدعون الدراسة الهينمة ، فدخل عمر ، فلما أبصرته أخته عرفت الشر في وجهه فخبأت الصحيفة وزاغ خبّاب فدخل البيت ، فقال عمر لأخته ما هذه الهينمة في بيتك؟ قالت : ما عدا حديثا نتحدث به بيننا ، فعذلها وحلف أن لا يخرج حتى يتبين شأنها ، فقال له زوجها سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل : إنك لا تستطيع أن تجمع الناس على هواك يا عمر ، وإن كان الحق سواه ، فبطش به عمر فوطئه وطئا شديدا وهو غضبان ، فقامت إليه أخته تحجزه
__________________
(١) بالأصل : بن عدي ، والمثبت عن سيرة ابن إسحاق.
(٢) بالأصل : مفلت ، والمثبت عن سيرة ابن إسحاق.
(٣) في سيرة ابن إسحاق : صبأت.
(٤) بالأصل : ضلالك ، والمثبت عن ابن إسحاق.
(٥) في سيرة ابن إسحاق : ويدرس عليها.