الباب السادس والعشرون
فى ذكر شىء من خبر إسماعيل عليهالسلام ،
وذكر ذبح إبراهيم لإسماعيل عليهماالسلام
كان إبراهيم ـ عليهالسلام ـ حمل إسماعيل ـ وهو رضيع ـ مع أمه هاجر إلى مكّة ، وأنزلهما عند الكعبة ، وليس بها يومئذ أحد ، وليس بها ماء ، وفارقهما بعد أن وضع عندهما جرابا فيه تمر ، وسقاء فيه ماء ، فجعلت أم إسماعيل ترضعه وتشرب من ذلك الماء ، حتى نفد ما فى السقاء ، عطشت وعطش إسماعيل ، وجعلت تنظر إليه يتلوى ـ أو قال : يتلبط ـ فمنّ الله عليهما بزمزم ، سقيا لهما ، فشربت وأرضعت ولدها ، وقال لها الملك : لا تخافوا الضيعة ؛ فإن هذا بيت الله يبنيه هذا الغلام وأبوه ، وإن الله لا يضيع أهله.
ثم نزل عليهما ناس من جرهم بإذن هاجر ؛ على أن لا حقّ لهم فى الماء.
وشبّ إسماعيل وتعلم العربية منهم ، وأنفسهم وأعجبهم حين شب ، فلما أدرك زوجوه امرأة منهم ، ثم طلقها بإشارة من أبيه ؛ لشكواها فى المعيشة ، ثم تزوج منهم أخرى ، وزاره أبوه فلم يجده أيضا ، وأمره بإمساك زوجته ، لشكرها فى المعيشة ، ثم زاره الثالثة ، فبنيا البيت ؛ فكان إبراهيبم يبنى ، وإسماعيل ينقل الحجارة ويناولها له ، وهما يقولان : (رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)(١).
وما ذكره من خبر إسماعيل وأمه وأبيه ؛ ذكر البخارى ما يوافقه (٢).
وفى بعض الأخبار الواردة فى هذا المعنى ما يخالف بعض ذلك ، وقد بينا شيئا من ذلك فى أصله.
وأما ذبح إبراهيم لإسماعيل عليهماالسلام : فذكر الفاكهى فيه خبرا طويلا عن ابن إسحاق يقتضى أن إبراهيم لما أراد ذبح ابنه ، قال : أى بنى ، خذ الحبل
__________________
(١) سورة البقرة آية : ١٢٧.
(٢) صحيح البخارى ٦ / ٢٨١ ـ ٢٨٨ ، كتاب الأنبياء باب قوله تعالى : (وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً.)