بعذاب (لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ)(١) فقال عيسى : (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ ، وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(٢) وخبّرهم بنزول العذاب عليهم ، فمسخ الله منهم ثلاثة وثلاثين رجلا خنازير ، وأصبحوا يأكلون العذرة في الحشوش (٣) ، ويتبعون الزبل في الطرق ، وكانوا يأتون أول الليل على فرشهم مع نسائهم آمنين في دورهم في أحسن صورة ، وأوسع رزق ، فأصبحوا خنازير وأصبح الناس ـ من بقي ـ خائفين من عقوبة الله ، وعيسى يبكي ويتضرع ، وأهلوهم يبكون معه عليهم ، وجاءت الخنازير تسعى إلى عيسى حين أبصرته ، فطفقوا وعيسى يدعوهم : يا فلان ، ويا فلان فيقول برأسه : نعم ، فيقول : ألم أنذركم عقوبة الله؟ فيقولون برءوسهم ـ أي نعم ، وأحذّركم وأخوفكم عذابه ، وكأنّي كنت أنظر إليكم في غير صوركم ، فذلك قوله تعالى : (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ)(٤) وأنزل الله على نبيّه صلىاللهعليهوسلم (يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ)(٥) ، ثم إنّ عيسى سأل ربه أن يميتهم ، فأماتهم بعد ثلاثة أيام ، فما رأى أحد من الناس لهم جيفة في الأرض ، لأن العقوبة إذا نزلت من الله استأصلت ، فنعوذ بالله من غضبه.
قالوا : ومن اختلف منهم في أمر المائدة من هؤلاء المسمّين (٦) منهم ابن سمعان ، وجويبر ، ومقاتل بإسنادهم قالوا :
لما آمنوا (٧) هؤلاء بعيسى وسألوه المائدة وذلك بين إيلياء وأرض الروم وكان الله حين أنزل عليهم المائدة اشترط عليهم العذاب ، فقال لهم فيما أوحى الله إلى عيسى ـ إن كان قال له والله أعلم ـ فقال : يا عيسى قل لهم يأكلون ولا يتخذون خبئا (٨) ، قال : فأكلوا فصدر عنها سبعة آلاف شباعا ـ قال إسحاق : وقال بعض هؤلاء المسمين بإسناده : اثني عشر ألفا ـ فكانت تنزل المائدة عليهم أربعين صباحا ، فعمد قوم منهم فخبثوا منه ، فقال الحواريون : لا تفعلوا فإنكم إن فعلتم عذّبتم ، وكان قوم منهم مداهنين ، فقال : دعوهم وما الذي يتخوّفون عليهم ، إنكارا لما قالوا لهم ، فقال الذين جهلوا : ما سمعتم بساحر يخرج في آخر الزمان يزرع من
__________________
(١) سورة المائدة ، الآية : ١١٥.
(٢) سورة المائدة ، الآية : ١١٨.
(٣) الحشوش جمع حش ، وهي مواضع قضاء الحاجة (راجع اللسان : حشش).
(٤) سورة المائدة ، الآية : ٧٨.
(٥) سورة الرعد ، الآية : ٦.
(٦) الأصل : السمين ، تصحيف.
(٧) كذا بالأصل.
(٨) خبن الطعام : غيّبه وخبّأه للشدة (القاموس المحيط).