قال : وأنبأنا أبو حذيفة ، أنبأنا هشام ، عن الحسن قال :
كان عيسى يمشي على الماء ، قال : فقال له الحواريون : يا روح الله إنّك لتمشي على الماء ، قال : نعم ، ذلك باليقين بالله ، قالوا : إنّا بالله لموقنون ، قال لهم عيسى : ما تقولون لو عرض لكم في الطريق درّ وحجر ، أيهما كنتم تأخذون؟ قالوا : الدّرّ ، قال : لا والله ، حتى يكون الدّرّ والياقوت والحجارة عندكم سواء.
قال : وقال الحسن :
إنّ عيسى بن مريم أصابه الحرّ وهو صائم حتى اشتدّ به ، فقالوا : يا روح الله وكلمته لو بنينا لك بيتا تسكنه ويكنك من الحرّ والبرد ، قال : لا حاجة لي به ، فألحّوا عليه ، فأذن لهم ، فبنوا عريشا ، فلمّا دخله فنظر إليه قال : سبحان الله أعاديّ أنا؟ إنّما أردت بيتا إذا جلست أصاب رأسي سقفه ، وإذا اضطجعت أصاب جنبي حائطه ، ولا حاجة لي بهذا ، فلم يسكن بعدها ظلّ بيت حتى رفع.
قال : وقال الحسن :
فو الله لو لم يعذبنا الله إلّا بحبّنا الدنيا لعذّبنا ، لأن الله يقول أحببت شيئا أبغضه ولقول الله تعالى : (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ)(١).
قال : وأنا أبو حذيفة ، أنبأنا عيسى بن عطية السّعدي ، وأبو روق الهزّاني (٢) ، وعبد الله بن زياد بن سمعان قالوا جميعا عن مكحول عن كعب.
أن عيسى بن مريم كان يأكل الشعير ويمشي على رجليه ، ولا يركب الدوابّ ، ولا يسكن البيوت ، ولا يصطبح بالسّرّاج ، ولا يلبس الكراسف ـ يعني القطن ـ ولم يمسّ النساء ، ولم يمسّ الطّيب ، ولم يمزج شرابه بشيء قط ، ولم يبرّده ، ولم يدهن رأسه قط ، ولم يقرب رأسه ولحيته غسول قطّ ، ولم يجعل بين الأرض وبين جلده شيئا قط إلّا لباسه ، ولم يهتم لغداء قطّ ، ولا لعشاء قطّ ، ولا اشتهى شيئا من شهوات الدنيا ، وكان يجالس الضعفاء والزّمنى والمساكين ، وكان إذا قرّب إليه الطعام على شيء وضعه على الأرض ، ولم يأكل مع الطعام
__________________
(١) سورة الأنفال ، الآية : ٦٧.
(٢) بدون إعجام بالأصل ، والصواب ما أثبت ، ترجمته في سير أعلام النبلاء ١٥ / ٢٨٥ واسمه أحمد بن محمد بن بكر ، أبو روق البصري الهزاني.