الثقافة القديمة وفنون السلم هي وسمرقند التي ذاع صيتها بما حبتها الطبيعة من جمال وفتنة ، تتعرضان على طول الزمن للخطر بسبب أطماع جيرانهما في الشرق والغرب وكانوا جميعا رجال حرب وشغب» (١) ، وقال بارتولد عن سمرقند : «إنها ظلت من حيث الرقعة وعدد السكان أولى مدن ماوراء النهر قاطبة حتى تلك العهود التي كانت فيها بخارى عاصمة للبلاد كما حدث في عهد السامانيين. وهذه المكانة التي نالتها سمرقند إنما ترجع قبل كل شيء إلى موقعها الجغرافي الفريد عند ملتقى الطرق التجارية الكبرى القادمة من الهند (مارّة ببلخ) ، ومن إيران (مارّة بمرو) ، ومن أراضي الترك ، كما أن ما امتازت به المنطقة المحيطة بها من خصب فوق المألوف جعل من الميسور لعدد هائل من السكان أن يجتمعوا في بقعة واحدة» (٢). ويبدو أن موقعها الممتاز الذي جعلها عرضة لطمع الغزاة هو الذي دعا إلى إحاطتها بسور كان قائما عندما فتحها المسلمون سنة ٩٣ ه. (٣)
وصفها حضين بن المنذر الرقاشي الشيباني (١٨ ـ ٩٧ ه) وكان مع قتيبة بن مسلم الباهلي في ما وراء النهر ، فقال : «كأنها السماء للخضرة ، وقصورها الكواكب للإشراق ، ونهرها المجرة للاعتراض ، وسورها الشمس للإطباق» (٤). وقد أورد النسفي هذه العبارة محرفة ونسبها إلى قتيبة (الترجمة ١١٨٩) فجاءت هزيلة.
ولا ننسى أن نشير إلى كونها مركزا مهما من مراكز العلم ، وفيها كان يصنع ورق الكتابة ذو الجودة الفائقة وبه اشتهرت ، قال السمعاني في صناعة الكاغذ. «وهو لا يعمل في المشرق إلا بسمرقند» ، ثم ذكر صديقا له يشتغل بصناعة الكاغذ ويدرس العلم في الوقت نفسه فقال : «صاحبنا أبو علي الحسن بن ناصر الكاغذي المعروف بالدهقان ، إليه ينسب الكاغذ الحسني الذي لم يلحقه من سبقه في جودة صنعه ونقاء الآلة وبياضها ، كان يحضر المجالس التي أمليتها بسمرقند ، وكان سديد السيرة صدوق اللهجة فقيها ، سمع جماعة من العلماء وبلغ أوان
__________________
(١) تاريخ بخارى ، ١٤٧.
(٢) تركستان ، ١٧٠.
(٣) تاريخ الطبري ، ٦ / ٤٧٤ ؛ توجد تفاصيل مهمة لدى ابن الفقيه عن المدينة وسورها وأبوابها ومساحتها (البلدان ، ٦٢١ ـ ٦٢٥).
(٤) المسالك والممالك ، ١٧٢ ؛ البلدان لابن الفقيه ، ٦٢٤ ؛ تاريخ طبرستان ، ٧٩.