وقيل : إنّ الطرق من قرطبة إلى جميع هذه الأرباض كانت تنار ليلا بالقناديل ، وهي مسافات من (١٠) إلى (١٥) كيلو مترا.
فأما مساجد قرطبة لذلك العهد ، فقد جاءت فيها روايات مختلفة ، فقيل : ثلاثة آلاف وثمانئمة. وقال ابن حيّان : بلغت المساجد بقرطبة في مدة ابن أبي عامر (بعد الناصر بمدّة غير طويلة) ألفا وستمئة مسجد ، والحمامات تسعمئة حمام.
وأما مسجد قرطبة الأعظم ، فإن القلم ليعجز عن وصفه ، فمن شاء فليقرأ ذلك في «نفح الطيب» وغيره من تواريخ الأندلس ، أو فليذهب إلى إسبانية ، ويشاهده ، فلا يزال أكثره قائما ، وإن كان قد تحوّل إلى كنيسة ، وقد ذهب كثير من النفائس التي كانت تزينّه ، ولا أعلم هل أبقاه الإسبانيول على مساحته الأولى ، أم اختصروا منه ، فالذي في كتب العرب أن تكسيره (١) كان نحو (٣٣) ألف ذراع ، وأنه كان فيه (١٢٠٠) عمود و (٩٣) عمودا كلها رخام ، وقد كان لعهد الناصر وأهله باب مقصورة هذا الجامع من الذهب ، وقد أجرى الذّهب في جدار المحراب وما يليه على الفسيفساء.
وكانت الصومعة (٢) من بناء الناصر ، تعلو ثلاثا وسبعين ذراعا ، إلى أعلى القبة المتفّحة التي يستدبرها المؤذّن ، وفي رأس هذه القبة تفافيح ذهب وفضّة ، ودور كلّ تفاحة ثلاثة أشبار ونصف ، فاثنتان من التفافيح ذهب إبريز ، وواحدة فضة ، وتحت كلّ واحدة منها وفوقها سوسنة ، قد هندست بأبدع صنعة ، ورمانة ذهب صغيرة على رأس زجّ.
وكان في الجامع مئتان وثمانون ثريّا ، وثمانمئة وخمس كؤوس ، وكان يوقد فيه في شهر رمضان فقط ثلاثة قناطير من الشمع ، وكان له
__________________
(١) [مساحته].
(٢) [المئذنة].