٢ ـ مثال آخر من النظام عند المسلمين
من خبر عبد المؤمن صاحب دولة الموحدين
ومن هذا النمط وأبلغ منه في ترتيب المنازل والمناهل ما عمله عبد المؤمن بن علي ، صاحب دولة الموحدين في المغرب ، فقد كانت أفريقية ـ بلاد تونس ـ في يد بني زيري بن مناد الصنهاجيين ، عمالا للعبيدين خلفاء القاهرة ، ولكن كانت دولة بني زيري قد أشرفت على الهرم ، وزاحمها الثوار من العرب ، فانتهز الإفرنج أصحاب صقلية هذه الفرصة فيهم ، وملكوا منهم عدة ثغور ، مثل صفاقس وسوسة وغيرهما ، ثم ملكوا المهدية ، وهي دار ملك الحسن بن علي الصنهاجي ، فذهب هذا إلى عبد المؤمن بن علي القائم بدولة الموحدين ، واستعداه على الإفرنج ، وبينما هذا يهمّ بذلك إذ أوقع الإفرنج بأهل زويلة ، التي هي على مقربة من المهدية ، وكان وقعة شنيعة ، قتلوا فيها النساء والأطفال ، ففرّ جماعة منهم إلى عبد المؤمن بن علي يستنصرونه وهو بمراكش ، وقالوا له : لم يبق في ملوك الإسلام من يكشف هذا الكرب غيرك ، فدمعت عيناه ، وأطرق ساعة ، ثم رفع رأسه ، وقال : أبشروا ، لأنصرنّكم ولو بعد حين.
ثم أمر بعمل الروايا والقرب ، وما يحتاج إليه العسكر في السفر ، وكتب إلى من بطريقه من نوّابه ، يأمرهم بحفظ جميع ما يتحصّل من الغلات ، وأن يترك الزرع في سنبله ، ويخزّن في مواضعه ، وأن يحفروا الآبار في الطرق ، ففعلوا جميع ما أمرهم به ، وجمعوا غلات الحب