فأمّا قول صاحب صقلية : إنّه لو قتل عبد المؤمن إفرنج المهدية لقتل هو مسلمي صقلية ، فقد كان يصدر مثل هذا الفعل من الإفرنج ... فأما المسلمون فكانوا يأنفون من ذلك ، وصالح معاوية بن أبي سفيان الروم ، وارتهن منهم رهناء ، فوضعهم ببعلبك ، ثم غدر الروم وقتلوا المسلمين ، فلم يشأ معاوية والمسلمون قتل من في أيديهم من رهائن الروم ، وخلّوا سبيلهم ، وقالوا : وفاء بغدر ، خير من غدر بغدر ، وهو قول العلماء والإمام الأوزاعي رضياللهعنه ، وهو من قوله تعالى : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) [الأنعام : ١٦٤].
وقد كان شاهد هذا الحديث هو صنيع عبد المؤمن بن علي السلطان الكبير الذي قيل فيه :
ما هزّ عطفيه بين البيض والأسل |
|
مثل الخليفة عبد المؤمن بن علي |
فقد ساق مئة ألف مقاتل ، ومعها مئة ألف من سوقة وأتباع من مراكش إلى تونس ، بدون أن تتأذّى بهم سنبلة قمح ، ولما أراد حصار المهدية جعل الحبوب جبالا ، فمثل هذا بين الملوك يقدّر له النجاح ، ويصحب دولته الفلاح.
ولعبد المؤمن بن علي آثار كثيرة ، منها بمراكش بستان المسرّة ، طوله ثلاثة أميال ، وعرضه قريب منها ، ورووا أنّه كان مبيع زيتون هذا البستان وفواكهه ثلاثين ألف دينار مؤمنية ، على رخص الفاكهة بمراكش.
وقد درس هذا البستان كما درس غيره ، حتى جدّده المنصور السعدي بعد ذلك بأربعمئة وخمسين سنة.
* * *