٣ ـ مثال آخر عن حب العمران
من سيرة المنصور السعدي
فاتح تنبكتو النيجر والسودان
كان المنصور السعدي صاحب المغرب وفاتح تنبكتو والسودان وبلاد النّيجر من أشهر الملوك الذين عمّروا وثمّروا في الإسلام ، ولو لم يكن كذلك ما تمكّن من إرسال تلك الجيوش الجرارة إلى تلك البلاد القاصية العاصية ، ومن تدويخها ، وإضافتها إلى مراكش ، حيث بقيت مدة طويلة تابعة للمغرب ، فتمّ له ما يفتخر الإفرنج اليوم بمثله ، مع تقدم وسائل النقل ، وترقّي جميع أسباب العمران أضعاف ما كانت منذ ثلاثة قرون ونصف ، وكانت جيوش المنصور السعدي لا تحصى ، وكان له في ترتيب جيوشه وحالات أسفاره من فنون النظام ما يدهش العقول ، وقد نلمّ بذلك في فرصة أخرى.
والمنصور السعدي هو باني القصر المسمّى بالبديع في حاضرة مراكش ، مكث يبني فيه ست عشرة سنة ، لم يتخلّل ذلك أدنى فترة ، وحشد المنصور له الصنّاع حتى من بلاد الفرنجة ، وجلب له الرّخام من بلاد الروم ، وكان المنصور قد اتخذ معاصر السّكّر ببلاد حاحة وشوشاوة وغيرهما ، فكان عنده سكّر كثير ، فكان ـ حسبما قالوا ـ ربما اشترى الرخام بالسكر وزنا بوزن.
وكان المنصور السعدي الملقب بالذهبيّ ، يحتفل بالعمران إلى الغاية القصوى ، ويحسن إلى الأجراء ، ويجزل صلة العارفين بالبناء ،